الأحد، 28 مايو 2017

السوق الجايف

هناك القليل  ممن يعرفون  هذا الاسم في هذه الايام... هذا السوق تسميه النساء سوق التجار .. ويسميه البعض سوق العبي النسائية ... محلاته  يشغلها تجار الاقمشة والشراشف وباعة العبائات النسائية  والبطانيات ولوازم الاطفال  حديثي الولادة ...ويسميه كبار السن والعارفين بتاريخ المنطقة  وشاغلي المحلات ب السوك الجايف..  وقد تعودت اذاني على سماع هذه التسمية كوني كنت اعمل في سوق الجوخجية للستائر والقريب منه .. .. اسم السوق مشتق من كلمة الجيفة.... وهي الحيوان الميت والمتفسخ... والجايف بمعنى ( الكريه و النتن الرائحة )... يقع هذا السوق بين شارعي النهر و الرشيد.  وهو من الاسواق المهمة في بغداد ..يعود سبب تسميته بهذا الاسم الى عام1831 و أنتشار مرض الطاعون في بغداد والذي تزامن مع ارتفاع مناسيب نهر دجلة  في تلك السنة  .... حيث توفى عدد كبير من الناس....و بقيت الجثث في الاسواق والشوارع اسابيع طويلة لا تجد من يقوم بدفنها خوفاً من العدوى .. حتى ان المرأة ذات الحليِّ والزينة الذهبية تسقط فلا يتقدم لمخشَّلاتها أحدٌ من السراق .. انتشرت رائحة الموت .. رائحة كريهة رهيبة...وظل السوق بتلك الرائحة لاشهر طويلة....والناس تتحاشى دخوله أو تدخله مسرعة لتجتازه باسرع ما يمكن ...هذا رأي..وهناك رأي آخر ليس ببعيد عن الرأي الاول هو وجود مخفر للشرطة  في داخل خان النبكة والذي مازال قائما ويسمى سوق النبكة " لوجود شجرة من السدر " .. حيث كانت تجمع جثث المتوفين  بالطاعون في هذا المخفر  حتى اصبحت جيفا
وللطرافة ....يروي عالم الاجتماع العراقي المرحوم الدكتور علي الوردي قصة طريفة عن أحد أجداده الذي كان شاهداً على هذا الطاعون حيث  كان يعيش وسط عائلة يبلغ عدد افرادها عشرة ... وقد رأى في منامه في احدى الليالي أن 10 جنائز قد خرجت من هذا البيت فلما انتشر الطاعون صاروا يتناقصون واحدا بعد واحد...ففي كل يوم يموت احدهم... والجد يقوم بتغسيله وتكفينه ودفنه ...حتى ظل وحيدا.......فلما مات التسعة الباقون أدرك أنه سيكون العاشر لا محالة.... والناس كانوا ، ولا زالوا للاسف ، يؤمنون ويصدقون الخرافة والاسطورة والحلم واقوال الشيوخ....ولخوفه من أن يبقى دون غسل ولا تكفين اذا ما مات لعدم وجود من يقوم بذلك... قام فاغتسل وارتدى الكفن ولف جسمه كالميت تماماً .. ثم تمدد على ارضية الدار منتظرا ملك الموت... بعد ساعات من الانتظار دخل الدار احد اللصوص... حيث يزداد نشاط اللصوص لانهم يتوقعون فراغ الدور نتيجة وفاة اهلها او هروبهم خارج المدن... اقترب اللص من الجد... وحين شاهد الجثة المسجاة اقترب منها... لكن الجد أحس بحركة غير طبيعية فقفز صارخا بوجه اللص الذي سقط من فزعه ميتا ..و اكتمل العدد ( 10) ...وخرجت العشر جنائز كما في الحلم ...وادرك الجد بما لا يقبل الشك انه سيعيش... فخلع الكفن ونام بهدوء ..
من معالم هذا السوق جامع المدرسة الوفائية .. ومطعم الحسيني الشهير والذي يسمى حاليا مطعم كمال .. وخان النبكة .. والباب الخلفي لخان مرجان ....كما ينتهي هذا  السوق من جهة شارع النهر بعمارة المصبغة والتي يشغلها  واحد من اشهر باعة الجبن والالبان والدهن الحر وبيض العرب والقيمر في بغداد..


هناك تعليق واحد:

مستشفى ابن البيطار .

  كان تشارلس هاوهي  رئيسا للحكومة الايرلندية   في ثمانينيات القرن الماضي  وتمتع بعلاقة شخصية مع السلطات في بغداد ايام  كان وزيرا للصحة حيث ع...