الاثنين، 22 مايو 2017

داود اللمبجي


 (اللمبچي) هي واحدة من اقدم المهن التراثية العراقية المنقرضة، يتذكرها آباؤنا وأجدادنا اطال الله عمر الاحياء منهم ورحم امواتهم .. انتشرت  في بغداد والمحافظات قبل دخول الكهرباء والإنارة للمدن، كان واجب  (اللمبچي) هو إيقاد مصابيح الشوارع والأزقة (اللمبات النفطية) لإنارتها ليلا، وكان يتلقى راتباً شهرياً من البلدية لقاء هذا العمل،إسوة بالچرخچي ومأمور البلدية وغيره. ومهنة (اللمبچي) مأخوذة من (اللمبة) التي هي المصباح النفطي (الفانوس) التي تستخدم آنذاك في الازقة، وعادة ما يتميز اللمبجي بطول القامة حتى يستطيع ان يصل الى (اللمبات) التي كانت تنتشر في ازقة بغداد و درابينها التي تشبه الفوانيس أو (اللالة)،وبعد غروب الشمس يأتي اللمبجي ومعه سلّم يصعد عليه ليمسح زجاج اللمبات ويضع في خزانها الصغير نفطاً ويوقدها، وهذه كانت منتشرة في عدة أمكنة من المحلة البغدادية لتنير الدرب لمن يخرج ليلا أو يعود لداره، في وقت الليل.
اشهر لمبجي في التراث  العراقي.. هو داود اللمبجي والذي جاء ذكرة في قصيدة الملا عبود الكرخي والتي قيل أن أول من غناها مطرب المقام المعروف رشيد القندرجي، ولكنها لم تشتهر بصوت القندرجي لعدم تسجيلها على (قوان) او اسطوانة.. ولكنها ذاعت واشتهرت عندما  غناها  المطرب يوسف عمر المعروف بذكائه ودقة اختياراته  في اداء النمط الشعبي الاصيل حيث  غنى هذه الاغنية في حفلة خاصة  بحضور وزير الصحة آنذاك و سجلت من دون علمه، فذاعت واشتهرت... وكان الذي كان.. حيث اشتهرت الاغنية  ودارت على كل شفة ولسان.
داود اللمبچي هو شخصية معروفة في منطقة الميدان ببغداد وهذه المنطقة  كانت تشتهر  بتواجد دور الدعارة (المبغى العام) وتسمى المحلة بالصابونچية، وكان اللمبچي داود يمارس هناك مهنتين، الأولى هي (لمبچي) المنطقة الذي ينير الأزقة ليلا ليسهل دخول وخروج  الزائرين!! كما كان يمارس السمسرة على المومسات ..وفي إحدى الأيام كان الملا عبود الكرخي جالساً في مقهى مجاور لمنطقة الميدان، وإذا بجنازة كبيرة تخرج من المبغى العام، تتبعها جوقة من المومسات باكيات نادبات لاطمات، وتملّك الفضول شاعرنا الكرخي فسأل عن صاحب الجنازة ، فقيل له بأنه داود اللمبچي !! ..أثار الموضوع الملا عبود وهزّه لكي ينظم قصيدة  تداولها البغداديون وذاعت شهرتها في الآفاق، بالرغم من عدم تدوينها في جريدة أو مجلة أو ديوان ... القصيدة نشرت فيما بعد للمرة الأولى في ديوان الكرخي الموسوم (ديوان الأدب المكشوف) الذي ضم غرر قصائده في الأدب المكشوف ..كما قام المحامي عبود الشالجي بإدراجها في موسوعته الشهيرة موسوعة الكنايات العامة البغدادية... يقول مطلع القصيدة ....
مات اللمبجي داود وعلومه ....كوموا  اليوم د نعزّي فطومه....
وفطومه هذه ...هي فطومه الصمنجي( الصمنجي لفظة تركية تعني بائع التبغ ) ..كانت إحدى جميلات بغداد في العشرينيات وقد عاشرها داود اللمبجي .
القصيدة ليست بالقصيدة "البذيئة" وإنما تنقل  صورة إجتماعية دقيقة وساخرة لطبقة في المجتمع البغدادي مارست أرذل وأقدم مهنة في التأريخ خلال النصف الأول من القرن الماضي في محلة الميدان ببغداد.. هذه المحلة التي  لصقت بها وبمحلة الصابونجية الملاصقة لها صفة الدعارة البغيضة وذلك بسبب وجود المبغى العام فيها .. الى  جرى هدمه في خمسينيات القرن ايام وزارة فاضل الجمالي  والتي اهتمت كثيرا بالنواحي الاخلاقية و لكن بقيت صفة " الميدنلي" تطلق على كل قليل أدب وسيء أخلاق. ...




هناك تعليق واحد:

مستشفى ابن البيطار .

  كان تشارلس هاوهي  رئيسا للحكومة الايرلندية   في ثمانينيات القرن الماضي  وتمتع بعلاقة شخصية مع السلطات في بغداد ايام  كان وزيرا للصحة حيث ع...