السرداب عبارة عن طبقة بناء سفلية تحفر في باطن الارض وتصل احيانا الى ثلاث طبقات حيث تنتهي بطبقة من الصخور الكلسية والتي تسمى بطبقة السن الصخري والتي يصل عمقها الى 25 مترا او الى اكثر من ذلك..ويحتفظ النجفيون بأسرار بناء هذه السراديب لأنفسهم.. واشهر هذه السراديب سرداب شيده المرجع الديني الشيخ جعفر كاشف الغطاء لغرض الدفاع عن مدينة النجف الاشرف والاحتماء به من الهجمات الوهابية التي كانت تـُشن في القرن التاسع عشر حيث اتخذ انذاك قرارين لحماية المدينة من تلك الهجمات اولهما بناء سورحول المدينة و الذي بقي جزء منه حتى الان.. والقرار الثاني كان حفر سرداب عميق بشكل هندسي مميز لا يستطيع من يدخله الخروج منه الا اذا عرف ممراته الست و التي تنتهي عند مرقد الامام علي كما ان للسرداب ابوابا اخرى تنتهي خارج سور النجف من اجل تسهيل عملية الفرار في حال احتلال المدينة .. وقام بعد الانتهاء من الحفر بانزال خزينة الروضة العلوية مع عدد كبير من المخطوطات والكتب البالغة الاهمية والنفائس الاخرى من اجل حمايتها من السلب والنهب في حالة استبيحت المدينة من قبل الغزاة. وقد تم حفظ مؤونة شهر كامل من الطعام... في هذا السرداب غرف صغيرة حفظت فيها المخطوطات والكتب المهمة والمراسلات فيما بين العلماء والتي عثر عليها منذ فترة اثناء القيام بصيانة وترميم السرداب. . بداية السرداب مكونة من اربعين درجة تنتهي بسرداب آخر يتضمن بئرا غير معروف عمقها كما بنيت غرف سرية في جدران السرداب لم تستكشف حتى الآن.... باقي سراديب النجف تختلف من حيث انواعها و هي :
1ـ السراديب الارضية الموجودة في اغلب الدور ويكون معدل عمقها ستة امتار تقريباً.
2ـ سراديب السن او ما يسمى (الهصهاص) ومعدل عمقها عشرة امتار.
3ـ سراديب سن القرض ومعدل عمقها خمسة عشر مترا.
4ـ سراديب رأس الطار ومعدل عمقها خمسة وعشرين متراً وهذا النوع قليل جداً و بارد جدا ويصفه الرحالة وعالم الآثار المستر توماس لايل" على المرء النازل الى تحت الطبقتين او الثلاث منها ان يلبس معطفاً لانخفاض درجة الحرارة بينما تكون درجة حرارة الخارج اكثر من 55 مئوي"
هندسة بناء السراديب هندسة نجفية الأصل و قيل إنها انتقلت من مدينة شوشتر الإيرانية لان طبيعتها تحاكي طبيعة النجف.. وقد نجحت طريقة بناء السراديب في النجف كونها ارضا مرتفعة وهي اشبه بالهضبة حيث يعمد البناءون الى حفر الارض حتى يصل الحفر الى طبقة من الصخور تنحت بالازميل لتكون ما تعرف بطبقة السن الصخري وبعدها تنشأ فوقها طبقة اخرى من السرداب ببناء اقواس من الاجر والجص والنورة ويتم عقد السقف بالطابوق المعد لهذا الغرض دون استخدام الخشب او الحديد ويحفر بجانب السرداب بئر للماء بالاضافة الى بناء فتحات تهوية تعرف بـ "البادكير" لتغيير درجة حرارة الهواء الداخل والخارج حيث يمر الهواء الحار من اعلى ليبرد حين ملامسته للطابوق ويدخل الى السرداب تيار من الهواء البارد ويساعد على برودته ايضا وجود البئر داخل السرداب حيث الماء الحلو المتصل بشبكة ترتبط في النهر وهذه الشبكة أمر بتشييدها (نادر شاه ) عند زيارته ضريح الإمام علي في فترة حكمه..
تم استغلال السراديب لاقامة الدروس الدينية والمحاضرات التي تلقى على طلبة الحوزة العلمية، و كمكان لراحتهم خصوصا للوافدين من خارج البلد .. هذه الأقبية والسراديب اتسمت بشكل تراثي رائع خاصة لأولئك الذين يبحثون عن العزلة لأغراض المطالعة والبحث والتأليف او لأغراض الاعتزال الصوفي ..
هذه السراديب سببت ارقا للحكومات المتعاقبة حيث استغلت لعقد الاجتماعات الحزبية والتنظيم السري للأحزاب الوطنية في أوائل القرن العشرين مثل جمعية النهضة السرية بقيادة الشيخ محمد جواد الجزائري ومحمد رضا الشبيبي وعباس الخليلي كما تم أعدادها لتكون أوكارا للأحزاب السرية مثل الحزب الشيوعي العراقي وبعض الحركات السياسية الأخرى وكانت ملاذا للمطلوبين والهاربين من الانكليز آنذاك.
في الاونة الاخيرة بدأت هذه السراديب بالانقراض . بالنظر لدخول اجهزة التكييف والتطور العمراني والاجتماعي...ولكن هناك من مازال يعتز ببناء سرداب في داره هربا من حرارة الصيف خصوصا عند انقطاع التيار الكهربائي ..
نشر 6/12/2017
ردحذف