الجمعة، 26 مايو 2017

الكوك نزر


واحدة من محلات بغداد القديمة والتي يتحسس الكثير في  الحديث عنها وذلك لطبيعة ساكنيها والمهنة التي يمتهنونها .. محلة "كوك نزر" أو الصابونجية او الكلجية هي أسم لمحلة شعبية صغيرة تتكون من  دربونة  تقع في منطقة  الميدان الشهيرة تربط  اكبر  شارعين بغداديين هما الرشيد والجمهورية، وتقابل وزارة الدفاع من جهة الرشيد. وتجاور محلة الكنيسة الشهيرة والتي تضم اقدم كنيسة في بغداد .. يقال ان اسمها جاء من  كلمة  " كزل نزر" والتي تعني بالتركية "النظرالجميل"  وقد حرفه  البغداديون الى كوك نزر ..

اما اسم الصابونجية فهي نسبة الى معامل و مخازن لصانعي الصابون حينها ...اكثر الناس يطلق على هذه المنطقة اسم الكلجية .. وهي  تعني  موضع الرؤوس"الكله هي مقدمة الرأس  .. يقال للاعب الكره او لمن يتشاجر .. ضربه كله " .... وفي هذا رأيان الاول انها كانت مكانا لباعة  رؤوس الغنم والبقر " الباجه"  والرأي الثاني يقول   بأن هولاكو كان يقف في هذا المكان  ليعد الرؤوس التي يقطعها جنده من اجساد  المسلمين... وهذا هو الرأي الاقرب الى الصحة  والذي يميل اليه مجموعة كبيرة  من الباحثين  .. ..

هذه المحلة قديمة قدم احياء بغداد ..   انتشرت فيها عدد من دور  البغاء .. وبعد دخول القوات البريطانية  قامت باخلائها من سكانها الاصليين  لتصبح بالكامل  مقرا للدعارة حيث أتخذت مرتعا لبائعات الهوى وتجار الحشيشة وشقاوات بغداد آنذاك.وفي المكان الذي  وقف فيه  هولاكو ليعد الرؤوس المقطوعة  اقيم مبغى عام وكان  المبغى العام يحمل الصفة الرسمية مرتبطا بوزارة الشؤون الاجتماعية  وتشرف عليه  الاجهزة الصحية .. وكان لهذه المحله مختار يأخذ خاوات من ساكني هذه المحلة ..وقد رثاه  الملا عبود الكرخي بقصيدة عند وفاته قال فيها :



مختار الحبايب ما يجي دونه 

وصاير سور للساكن الدربونة



من طرائف ما حصل  في هذه المنطقة هو الزيارة التي قام بها ( ويندل ويلكي )  المرشح عن الحزب الجمهوري للرئاسة الامريكية عام 1942..وكان حينها  نائبا لرئيس  الولايات المتحدة ايام  الحرب العالمية الثانية وهو مؤلف كتاب ( عالم واحد ) حيث كانت ( الكلجية ) من المعالم التي أصر الزائر الأميركي على زيارتها .. وذلك لعدم وجود مؤسسة تماثلها في الولايات المتحدة  الامريكية حيث تجول  في المنطقة   وتحدث مع السماسرة و البغايا ..ودخل بيوتهم وجلس في المقاهي الموجودة في الدربونة وشرب الشاي ..  وكانت تلك الزيارة من الزيارات التي بقيت في ذاكرة العراقيين  لطرافتها ..

وفي عام 1938 فاض نهر دجلة وكسرت سدة ناظم باشا وجندت الناس فيما يسمى بعمل السخرة لدرء الفيضان وتقوية السور.. فقام  معاون شرطة السراي عدنان محيي الدين بجمع كل من وجده في الكلجية  من البغايا  وزبائنهن والسماسرة  وحشرهم في سيارات الشرطة وذهب  بهم الى محلة الكسرة، حيث قام الرجال   بحفر الارض وملء اكياس الجنفاص بالتراب ..وقامت  النساء بحمل  الاكياس على ظهورهن لردم الكسرة وايقاف تدفق المياه ولقد اسهمن حقا في سد الثغرة وانقاذ العاصمة من الغرق ...وبعد صلاة الفجر عادت بهم سيارات الشرطة الى الكلجية.. كل الى بيته. وفي اليوم التالي بعث امين العاصمة رسالة شكر وتقدير لكل البغايا وسماسرتهن  وزبائنهن  من الذين  ساهموا بالعمل الشعبي ودرء الفيضان عن بغداد ...

استمر المبغى العام بالعمل لعشرا السنين لغاية صدور قانون منع مزاولة البغاء عام 1953 ايام وزارة الدكتور محمد فاضل الجمالي حيث تم اغلاق المبغى بصورة رسمية ولكن المنطقة  بقيت تستقبل الزبائن حتى نهايات عقد الستينات من القرن المنصرم ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الزواج الاسطوري

  كل فترة تخرج علينا وسائل الاعلام  بالحديث  عن "حفل زواج أسطوري" متناسين ان تاريخنا المجيد  يحدثنا عن عدداً من حفلات الزفاف الأسط...