اطلق عليه لقب اسطورة الارض .. شخصية يندر تكرارها.. أسس 16 اذاعة وعشرات الصحف والمجلات .. ألف 20 كتابا ..أتقنّ اكثر من عشر لغات ..حمل 15 جنسية تزوج اكثر من ثمانين مرة وأبناؤه وبناته منتشرون في مشارق الأرض ومغاربها.. لا يستقر في مكان واحد. قابل معظم رؤساء وملوك العالم ونجح في فرض شخصيته عليهم حتى جعله البعض مستشارا له .. حكم عليه بالإعدام اربع مرات .. اشتغل اماما في جامع يؤم المصلين وفي الليل ضابط ايقاع في ملهى .. عمل في النهار مفتيا شرعيا وفي الليل راقصا في كابريه .. اشتغل حمالا في محطة قطار ، ومأمور بدالة ، وموزع بريد ، ومنظف شوارع ، وماسح احذية .. اشتغل في السيرك.. كان بمقدوره ان يجمع الملايين ويمتلك العقارات ولكنه مات لوحده على رصيف بشارع السعدون في بغداد .. وفي هذه الشخصية امتزجت الحقيقة بالخرافة وكثرت الروايات الصحيحة والكاذبة ...
غادر الموصل الى بغداد عام 1921 لينخرط في دار المعلمين ، ولكنه طرد منها بعد مرور شهرين لمجادلته مع مدير الدار .. فعمل بوظيفة كتابية في وزارة المالية حتى العام 1923 حيث غادر العراق الى استانبول وانخرط فيها لدراسة العلوم البحرية ولكنه غادرها نهاية عام 1923 في رحلة حول العالم .. دون ان يحمل معه اي نقود وكان في كل بلد يقيم فيه ، يتعّرف على اسراره ويتعلم ثقافته ولغة اهله .ويتزوج من نسائه ثم يسرحهن بمعروف ويمضي الى غايته المجهولة .. ويقال انه لم ترافقه في رحلاته الا حقيبة تحتوي على ادوات حلاقة وفرشاة اسنان وقنينة عرق وجواز سفر .
كان مغامرا جريئا ..اخترق صحراء الربع الخالي لوحده باعجوبة رغم ان عشرات الرحالة تاهوا او اختفوا في عبورهم للربع الخالي .. كان مغامرا لا يمكن تخيل حجم مغامراته .. في انكلترا دخل مسابقة لقطع القنال الانكليزي في بحر المانش سباحة وهو غير مدرب ابدا واحرز النصر على 36 دولة مشاركة ..جال العالم من اقصاه الى اقصاه كتبت عنه الصحافة العراقية ، وخصصت له صفحة كاملة في " دليل العراق الرسمي" ، الذي اصدرته الحكومة العراقية باللغتين العربية والانكليزية ..
كان اول مذيع في الاذاعة العراقية عام 1936 وفي الليلة التي قتل غازي فيها ، كتب بيانا نشره في جريدته " الميثاق " متهما فيها الانكليز بقتل الملك و كان وراء تحريك مظاهرة الثانوية المركزية في الموصل .. فصدرالامر بالقاء القبض عليه.. فهرب الى السفارة الالمانية محتميا بالسفير غروبا الذي قام بوضع خطة لتسفيره الى برلين على متن طائرة خاصة مع وفد صحفي الماني ..
بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية قامت الخارجية الالمانية بتأسيس اذاعة القسم العربي في برلين ، واوكلت ادارة تلك الاذاعة الى يونس بحري وخصصت له طاقم عربي من المساعدين حيث يعتبره البعض مؤسس اول اذاعة عربية في اوروبا والتي سبقت البي بي سي البريطانية ..وعلى غرار التحية النازية " هايل هتلر " فقد اشتهر بحري بندائه ( هنا برلين .. حي العرب ) وكان يشتم الملوك والرؤساء العر ب شتائم مقذعة ، ولم يسلم من فمه أحد ..
مع انهزام الالمان وانتحار هتلر وعشيقته ايفا براون. انهزم يونس من الميدان نحو فرنسا وهناك عمل ماسحا للأحذية وعامل تنظيف ومأمور بدالة كماعمل اماما وخطيبا باسم مزيف في جامع باريس عند تأسيسه..
انتقل الى مصر بطلب من القيادة المصرية حيث احتفى به الرئيس جمال عبد الناصر مما اثار خشية الهاشميون في العراق والاردن ، فوجد كل من الامير عبد الاله في العراق والملك عبد الله في الاردن ان يرسلا بطلبه ، وان يصفحا عنه ان اعتذر لهما .. فما كان منه الا ان يعتذر عن كل ما ارتكبه بحقهما ، وما كاله ضدهما من شتائم مقذعة.. وصفحا عنه
ويقال ان الفنانة هدى سلطان غنت له في مصر اغنيتها الشهيرة " من بحرى وبنحبوه .. على القمه بنستنوه .. شبك جمالات وشبكنى .. وازاى نقدروا ننسوه .. من بحرى وبنحبوه ..ايوه ايوه " وجمالات هذه راقصة مصرية تعّرف عليها يونس بحري عن طريق الفنان نجيب الريحاني ..
نجح نوري السعيد من سحب يونس بحري من الماكنة الاعلامية لجمال عبد الناصر واعادته الى العراق و تم تكليفه بالرد على اذاعة صوت العرب من القاهرة .. فوافق يونس بحري على العرض وقام يونس بحري بتلقين عبد الناصر دروسا لا تنسى ....
بعد نهاية الحكم الملكي والانتقال الى الجمهورية اعتقل يونس بحري واودع الموقف العام وبقي في السجن سبعة اشهر كاملة رفقة اركان النظام الملكي.. خرج بعدها بكفالة صديقه اللبناني صلحي الطرابلسي الى الاقامة الجبرية في فندق كراند في شارع ابو نؤاس الذي كان نزلاؤه من ذوي الاقامة الجبرية ايضا وهم كبار رؤساء القبائل والعشائر في العراق .. لم يكن لديه فلسا واحدا ، فكانوا يدفعون له اجرة الاقامة ويأكل معهم على موائدهم العامرة صباحا وغداء وعشاء ما لذ وطاب .. ثم اقترح عليهم ان يطبخ لهم الاكلات العالمية ، فكان يجمع منهم النقود لشراء اللحوم والخضار فينفق جزءا ويحتفظ لنفسه بالأجزاء الاخرى .. اطلق سراحه ، فراح يتسكع في شوارع بغداد ، حتى حصل من امانة العاصمة على كشك صغيرا اسماه " كشك بحري " لبيع البيف بارغر والهوت دوغ في الكرادة مقابل نادي العلوية .. ثم شارك في فتح مطعم بوران في ساحة الفردوس والذي يقدم مختلف المأكولات الغربية فاصبح قبلة للشخصيات البغدادية ..
كان بحري اول من اطلق شعار ماكو زعيم الا كريم و القائد الاوحد مما اثار بهجة الزعيم قاسم كثيرا واستغلها بحري الذي كان يشتاق للسفرفتوسط وقبل الزعيم وساطته وسمح له بالسفر شريطة الا يشتم الزعيم فوافق يونس بحري .. وما ان حلقت به الطائرة حتى شتم الزعيم واركان حكمه .. عاد بعد انقلاب 8 شباط ومدح الانقلابيين وعبد السلام عارف ..ولكن وجد ان بضاعته لم يعد لها قبول فقد تجاوز الخامسة والستين من العمر وصوته لم يعد مجلجلا كما كان فغادر الى الكويت ليعمل هناك .. ثم ذهب الى الامارات ليغدو مستشارا وكلفه الشيخ زايد آل نهيان الذي اسس دولة جديدة ، لاصدار جريدة ابو ظبي بالإنكليزية .. ثم عاد الى الكويت ، ومنها الى بيروت ليتزوج آخر زوجاته ..شهريار السورية ..
ولما عاد الى العراق عند نهاية السبعينيات لم يكن له أي وزن بين المسؤولين العراقيين بالرغم من ادعاءه ان المسؤولين طلبوا منه تولّي منصب اعلامي ، ولكن الحقيقة ، انهم كانوا لا يرغبون به لمعرفتهم ان قوته الابداعية قد رحلت .. وانه اصبح اعلاميا ورقة محروقة ، وان جيلا جديدا من الاعلاميين قد ظهر..
عاد الى الموصل لوحده دون ان يملك شيئا من حطام الدنيا ، ولم يجد بيتا يستقبله ، ولا عائلة تحتضنه .. عاش ضيفا على احد اقربائه ثم عاد الى بغداد وطبع مذكراته وعليها صورته مع هتلر كي يبيعه من اجل ان يعيش ، ولكن الحياة كانت قد تغيرت ، ولم يعد الناس يهتمون زار كلية الاداب بجامعة الموصل بعد ان طبع كتابه الاخير، واهدى بعض النسخ من كتابه الى كلية الاداب جامعة الموصل طالبا ان يلقي محاضرات على الطلبة عن تجربته التاريخية ، ولكنه لم يجد فيها من يسمع الى طلبه فرجع الى بغداد..دون ان يعرفه احد ليموت على قارعة الطريق في شارع السعدون ببغداد في آذار عام 1979 .. حيث قامت امانة العاصمة بدفنه في مقبرة الغزالي ..
واجمل ما قاله يونس بحري "انا العراقي الوحيد الذي عاش حريته كاملة .. "
منقول بتصرف من عدة مصادر
27/2/2018
ردحذف