في ساعة متاخرة من ليلة 10 آذار 1917 كان هناك اجتماع مهم بين خليل باشا آخر الولاة العثمانيين في بغداد مع قادة الجيش العثماني .. لغرض ايجاد الحلول ازاء تقدم القوات البريطانية باتجاه بغداد .. خاصة بعد انهيار اخر خطوط الدفاع الخمسة التي وضعها خليل باشا في منطقة سلمان باك(المدائن). كان اغلب القادة العثمانيين يفضّلون الانسحاب باتجاه سامراء وترتيب الخطوط الدفاعية من جديد حفاظا على مايمكن الحفاظ عليه.. اما باقي القادة فكانوا مصرين على القتال حتى الموت تنفيذا لتوصية وزير الحربية الجنرال انور باشا..
في تلك الليلة قرر خليل باشا الانسحاب بجيشه وشرطته وكل الموظفين الأتراك من بغداد وأمر جنوده بتفجير كل مستودعات السلاح ومنها وتدمير كل النقاط الأمنية في المدينة ومنها محطة اللاسلكي الجديدة .. ومن ضمن مستودعات الأسلحة التي فجرها الترك قبل هروبهم، باب الطلسم وهو احد أبواب بغداد الأربعة من الجانب الشرقي بناه الخليفة العباسي المسترشد عام1118... وبعد منتصف الليل من هذه الليلة التاريخية رحل جميع القادة والموظفين الترك ونقلت جميع السجلات الرسمية وأتلف ما أتلف منها..
لم يكن اهالي بغداد يعلمون بما يجري على الارض لذا فقد أيقظتهم التفجيرات القوية لمستودعات العتاد أهالي بغداد ....الذين لم يكونوا يعلمون ماذا ستحمل لهم قادم الايام ماعدا بعض ميسوري الحال الذين اختزنوا المؤن في دورهم تحسبًا للطورائ ..
تفاجئ الأهالي صباحاً بغياب تام للسلطة فلا وجود لاي جندرمة من الدرك التركي ولا جندي ولا حتى موظفي حكومي في السراي او غيره.. وبقيت المدينة دونما حكومة او شرطة لعدة ساعات ..لذا استغل الرعاع وضعاف النفوس هذا الانفلات الأمني فقاموا بسرقة المحلات والأسواق وأشاعوا الرعب بين الناس الذين بقوا داخل بيوتهم رافضين الخروج حتى رأوا الشرطة الانجليزية في شوراع المدينة..
في صبيحة يوم 1 آذار 1917 دخلت طليعة القوات البريطانية الى بغداد وهي الوحدة " بلاك ووتش " محطة قطار غربي بغداد واحتلتها، ثم سيطر احد الافواج القتالية على جانب الكرخ ووصل الى ضفة نهر دجلة ولكنه لم يستطع العبور الى الضفة الاخرى بسبب تدمير الجسر من قبل القوات العثمانية .. حيث بدأت الفرقة الثالثة عشر الزحف الى الضفة الاخرى وتوجهت نحو مركز المدينة. حيث وصلت الى ديوان الحكومة في القشلة في الساعة العاشرة صباحا وتم رفع العلم البريطاني على ساعة القشلة .. وتم استقبال الجنرال طومسون من قبل وجهاء البلد وسفراء وقناصل الدول الاجنبية
بعد عدة ساعات دخل قائد القوات البريطانية الجنرال فريدريك ستانلي مود بقواته وجرى استعراض لهذه القوات التي دخلت من باب المعظم .. و في 17 اذار
وزع خطاب للجنرال مود باللغتين التركية والعربية على الأهالي ومن اهم نقاطه ..
"ان مدينتكم عانت من ظلم الغرباء طوال 26 جيل وكان مايهمهم تحريض بعضكم على الاخر على أمل الاستفادة من اختلافاتكم ونزاعاتكم .. لقد خضعتم منذ هولاكو للعديد من الأغراب ..ودمرت قصوركم وغرقت حدائقكم واخذ ابنائكم لحروب لم تختاروها ونهبت خيراتكم بظلم من أناس أتوا من أماكن نائية .. ....ان جيوشنا لم تأت لتحكم مدنكم واراضيكم كقوة غازية منتصرة ولكن كمحررة.... لذا امرت ان ادعوا نبلائكم وكباركم للمشاركة في إدارة شؤونكم المدنية بالتعاون مع الممثلين السياسيين لبريطانيا العظمى.."
في يوم 5 نيسان 1917 تحرك الممثلين السياسين البريطانيين الذين تحدث عنهم مود من البصرة الى بغداد عن طريق القوارب العسكرية عبر نهر دجلة حيث وصلوا في 20نيسان1917 ..ليتسلموا مهمة ترتيب شؤون العراق الداخلية وكانت من ضمنهم المس بيل التي كانت تؤيد بقوة تشكيل حكومة تقود البلد تحت رعاية الحكومة البريطانية.. والميجر ولسون والذي كان يعارض بشدة منح العراقيين إدارة ذاتية في الحكم لأنهم مازالوا غير قادرين على حكم أنفسهم ..وبالفعل وبعد احداث عديدة رجح رأي المس بيل .. ليتم تشكيل حكومة عراقية برعاية بريطانية كانت باكورة الحكم الوطني في العراق ...ولتبدأمعها صفحة جديدة من تاريخ العراق الحديث
3/4/2018
ردحذف