الاثنين، 22 مايو 2017

المس بيل .. عاشقة الشرق

كنا قد تحدثنا في شذرة سابقة  عن المس بيل .. عرابة السياسة البريطانية في العراق .. صانعة الملوك ..الدبلوماسية البريطانية الاستثنائية .. ودورها في السياسة البريطانية للعراق ..
اليوم سنتحدث عن الوجه الاخر للمس بيل .. عن عاشقة الشرق .. عاشقة حضارة العراق القديمة والحديثة .. العاشقة لهذه الارض ..عاشت حياتها  في بغداد.... وماتت  ودفنت فيها ...اليها ينسب  ترسيم حدود دولة العراق الحديثة وذلك بدمج الوية بغداد والبصرة والموصل ..كما ان العراق مدين لها بتأسيس المتحف العراقي، ووضع اول دليل سياحي وتجاري  للعراق، واعمال اخرى ..
اسمها  الكامل ليثيان جيرترود بيل..ولدت في بريطانيا  عام  1868 دخلت إلى جامعة أكسفورد لدراسة التاريخ الحديث واستطاعت التفوق على الجميع لتكون أول فتاة تحصل على درجة الامتياز على مستوى الجامعة ..
أظهرت ولعا بالرحلات حيث سحرها الشرق .. وقعت في غرام هنري كادوغان  السكرتير الأول في السفارة البريطانية في طهران والذي توفي بمرض ذات الرئة ودخلت هي في عزلة تامة..ورفضت الزواج بعده بدأت المس بيل  زيارتها للعراق عام 1909م ... وقامت بدراسة اثار العراق الفريدة ..ومنها حصن وقصر الأخيضر الشهير وزارت مدينة  طيسفون وتسمى اليوم المدائن  والنجف والخورنق والسدير واثار بابل وديالى والموصل وسامراء وغيرها ...وفي بغداد زارت المس بيل  بعض المدارس المساجد القديمة المشيدة في العصر العباسي .. التحقت بالسفارة البريطانية في العراق ادركت الحاجة ..ولما وصل الامير فيصل الى العراق اصطحبته لزيارة طاق كسرى.. وقدمت شرح مفصل  ..مما دفع الملك فيصل، بعد توليه العرش، ان يطلب من الوزارة النقيبية تعيينها مديرة فخرية لدائرة الاثار القديمة.. بدأت المس بيل  العمل..و طلبت من الملك مساعدتها في تشريع "قانون التنقيب" الذي قامت باعداده بعد استشارات قانونية حيث تعهد لها بتمريره في مجلس الوزراء. حضرت غروترود اجتماع مجلس الوزراء لشرح بنوده الذي قرأت فقراته و تمكنت من اقناع الوزراء بالمشروع فصدر القانون بعد ادخال بعض التعديلاتوبموجب هذا القانون منحت  البعثة المشتركة للمتحف البريطاني وجامعة بنسلفانيا الامريكية حق التنقيب في مدينة اور الاثرية، كما منحت جامعة اكسفورد حق التنقيب  في مدينة كيش .. قامت المس بيل  بجمع القطع الاثرية التي حصل العراق عليها اثناء التنقيب في  معرض صغير داخل القشلة ليكون نواة للمتحف العراقي ، حيث قامت بترتيب القطع الاثارية  بصورة منظمة حيث وضعت على كل قطعة بطاقة تضمنت معلومات عن القطعة باللغتين العربية والانكليزية ، ووجهت الدعوة للملك ولبعض الوزراء والوجهاء لحضور هذا المعرض... بعد زيارتها لبعض المواقع الاثرية  وجدت الاهالي  يقومون  بالحفر بصورة غير منتظمة ..جمعت هؤلاء الناس واخبرتهم بان عملهم مخالف للقانون و طلبت منهم جلب ما لديهم من قطع اثارية لكي تشتريها منهم لغرض وضعها في المتحف ولايقاف مثل هذه الاعمال قامت بالتنسيق مع وزير الداخلية لتعيين عدد من الموظفين المحليين ليقوموا بالمراقبة ومنع اعمال الحفر والتنقيب، التي يقوم بها عامة الناس..
لم تقتصر مهمة المس بيل  على اقامة المعارض وانما ارادت الاستفادة من وجود عدد من علماء الاثار في القاء محاضرات علمية لشرح تاريخ العراق القديم وكانت تقوم بترجمة المحاظرات للحضور ..ومن اهمها  المحاظرة التي القاها المستر وويلي . بحضورالملك فيصل وعدد من الوزراء والمثقفين ..

كان هدف المس بيل  هو انشاء متحف دائم لاثار العراق حيث قامت بجمع الآثار التي كانت تحصل عليها في بناية المتحف المؤقته في القشلة  وكانت  مخزنه في  صناديق ضخمة وباعداد كبيرة معبأة بقطع آثارية مختلفة تعد بالالاف بالاضافة الى ما تم عرضه من قطع في المتحف  ..بذلت غرترود جهودا من اجل الحصول على بناية كبيرة وجديدة للمتحف.. وتمكنت من الحصول على بناية كبيرة لتؤسس المتحف العراقي ..وهي بناية المتحف البغدادي الحالية  حيث بدأت بتنظيم المتحف العراقي .. و كانت سعيدة بعملها في المتحف وهي تقول "بانها الوحيدة التي تعرف عن كل شيء موجود في المتحف" وكانت  ترى ان عملها مسؤولية كبيرة تجاه العراق وحكومته التي اعطتها الثقة  لادارة هيئة الآثار القديمة ..
اصبح المتحف الذي اسسته المس بيل  من الترتيب والاناقة بحيث يوصف  بانه شبيه بالمتحف البريطاني، إلا انه اصغر منه ، وكانت الاثار  مرتبة حسب العصور التاريخية وكل قطعة عليها بطاقة توضح معلومات عنها..
لقد بذلت المس بيل جهود جبارة  في تأسيس دائرة الآثار القديمة والمتحف العراقي وتشريع قانون الآثار كما تبرعت في وصيتها التي كشف عنها بعد وفاتها بمبلغ ستة الاف جنيه استرليني لغرض  تأسيس مدرسة تعنى بدراسة الآثار القديمة في العراق،وقامت هذه المدرسة باصدار مجلة تعنى بشؤون الآثار العراقية سميث Archeology and Architecture in Iraq   اي "الاثار والعمارة في العراق، وساهم في تحريرها والكتابة اليها عدد من علماء الآثار البريطانيين وغيرهم
توفيت المس بيل  في بغداد في 12 حزيران 1926  وشيعت تشيعا رسميا وشعبيا مهيبا ودفنت في مقبرة الارمن الارثوذكس الواقعة في ساحة الطيران بالباب الشرقي  ببغداد...والتي تضم عدد من رموز العراق  . في مقدمتهم  .. الاب انستاس الكرملي ..
قررت الحكومة العراقية تكريم المس بيل لجهودها  في حماية الاثار العراقية وذلك  بصنع تمثال نصفي لها  وضع في المتحف العراقي وقام الملك فيصل برفع الستار عن التمثال يوم 18 كانون الثاني 1930 ..واطلق اسمها على الجناح الرئيسي في المتحف العراقي  تكريما لجهودها في تأسيس المتحف


هناك تعليق واحد:

مستشفى ابن البيطار .

  كان تشارلس هاوهي  رئيسا للحكومة الايرلندية   في ثمانينيات القرن الماضي  وتمتع بعلاقة شخصية مع السلطات في بغداد ايام  كان وزيرا للصحة حيث ع...