ربما لا يعلم الجميع ان سامراء كانت مقرا للحوزة العلمية والمرجعية الدينية التي انتقلت من النجف الى سامراء لاكثر من عشرين عاما ايام المرجع الديني الكبير الامام المجدد محمد حسن الشيرازي والذي يلقب بالشيرازي الأول والذي اكمل دراسته الدينية في كربلاء المقدسة ثم غادر إلى النجف حيث أستقر فيها وحصل على درجة الأجتهاد، وبعد وفاة المرجع الكبير الشيخ الأنصاري توجهت الأنظار اليه وأختير للمرجعية عام 1870 ...
بعد ازمة التنباك الشهيرة وموقفه منها ..ولأسباب ما زالت موضوع اختلاف انتقل الامام المجدد من النجف الاشرف الى مدينة سامراء.. هناك من يقول انه اراد الانعزال والابتعاد عن اجواء المنافسة على الزعامة في النجف .. ومنهم من يقول انه اراد الابتعاد عن معارك الزكرت والشمرت ومنهم من يقول باصابته بالسل واختار سامراء لطيب هوائها .. وهناك من يقول انه اراد تحاشي التوسط لتخليص الناس من الجندية .. على العموم .. استوطن الشيرازي سامراء التي ذهب إليها زائرا، وبدأ تلامذته ومحبوه ومريدوه يتبعونه إلى هناك تدريجيا، ثم انضم اليه افراد عائلته...
بذل المجدد الشيرازي منذ انتقاله الى سامراء جهوداً كبيرة لإيجاد مؤسسة دينية في هذه المدينة خلال سنوات تواجده فيها حيث قام بتشييد مدرسة دينية كان لها أثر كبير في استعادة سامراء لمكانتها العلمية والثقافية فاستقطبت الكثير من العلماء والطلاب الذين هاجروا من البلاد الإسلامية كافة ليحضروا دروسه و تخرج على يد ه الكثير من العلماء وألافاضل وأهل التحقيق ممن بلغوا مرتبة الاجتهاد... كما بنى سوقا كبيرا في سامراء وعدد من الدور السكنية وحماما عاما للرجال وآخر للنساء ونصب جسر من القوارب على نهر دجلة سهلت حركة انتقال النس بين جهتي النهر بلغت تكاليفه الف ليره وصار ينفق الأموال الطائلة من اجل اعمار وتطوير سامراء مما ادى الى يحظى باحترام شيوخ العشائر والاهالي في المدينة.
وبالمقابل فقد أثار انتقال الإمام الشيرازي إلى سامراء حفيظة بعض المتطرفين والمتعصبين واعداء الوحدة الاسلامية .. وبدأوا يثيرون المخاوف من انتقال افكار مدرسة اهل البيت الى سامراء .. و ظهرت ردود فعل معاكسة حيث شكى بعض المتطرفين الى والي بغداد حسن باشا من الفتنة الكبرى التي سوف تنشأ من وجود الشيرازي في سامراء فأبرق الوالي حسن باشا إلى السلطان عبد الحميد بالخطر الذي يهدد سامراء لكن السلطان الذي كان من دعاة الوحدة الاسلامية لم يشأ الدخول في أزمة وتأجيج الموضوع .. لذا أكتفى بالتوجيه ببناء مدرستين دينيتين للسنة في المدينة وابقاء الشيرازي واصحابه تحت الملاحظة والرقابة ...بالمقابل كان الشيرازي حريصا على كسب قلوب السكان والعمل على وحدة المسلمين وعرف بمواقفه العظيمة التي وقفها في سبيل إصلاح واقع المسلمين وبذل جهوداً من أجل وحدتهم والتصدي لأعدائهم ولم تقتصر مواقفه على الساحة الدينية والفقهية بل تعدتها الى الساحتين السياسية والاجتماعية..واشتهر بمعالجة الامور بكياسة وبدون انفعال او تطرف .. حتى عندما قام احد المتطرفين بقتل الابن الاكبر للامام الشيرازي عام 1893وحاولت القنصلية البريطانية تاجيج الموقف واستغلاله ..ردهم الامام الشيرازي وقال لهم ان هو الا حادث بسيط بين اخوين .. ولا دخل لكم بما يجري ببلادنا مطلقا .. وعندما وصل الامر الى الباب العالي .. سر الخليفة بالامر .. وامر والي بغداد بان يمثل بين يدي الامام الشيرازي ليقدم له الشكر على موقفه والاعتذار عن الحادث ..
توفي الامام الشيرازي عام 1895م بمدينة سامراء بعد أن مرض بداء السل، ونقل جثمانه إلى الكاظمية المقدسة ثم إلى كربلاء المقدسة فالنجف الاشرف حيث دفن هناك بجوار مرقد الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام..
و بعد وفاة الامام المجدد حافظ تلاميذه على مدرسة أستاذهم في سامراء ولم تخل سامراء من الوافدين لطلب العلم من الكثير من البلدان وظلت المدرسة الدينية العلمية الجعفرية قائمة في سامراء لغاية عام 1991 حيث صدرت الاوامر بتهديمها ..
20/5/2018
ردحذف