في
عام 1916 نصح الاستشاريين الالمان
العاملين في بغداد لبناء محطات السكك الحديد الوالي العثماني خليل باشا بفتح شارع
يمتد من شمال المدينة حتى جنوبها وبموازاة نهر دجلة لتغيير وجه المدينة و تغيير
مسار الحركة لتصبح في موازاة النهر بعد ان كانت تتجه نحوه ..وبالفعل بدأ العمل في مايس 1916 . المثير ان
العمل كان عفويا وارتجاليا وآني في محل
العمل كما يقول الدكتور الوردي وذلك بمد حبلين طويلين في الهواء لتحديد الشارع
وكثيرا ما كان الحبل يتحول من دار لاخرى بحسب الرشوة التي تقدم لموظفي
البلدية او النفوذ الذي يستخدم .. وفي ثلاثة اشهر
انتهى العمل بالهدم وجرف الشارع وتحديده واصبح جاهزا وافتتح في 23
تموز 1916 وسمي خليل باشا جاده سي ثم
الجاده العمومية ثم الشارع العام ..وبعد ان اجتمعت اللجنة التاريخية الادبية لوضع
أسماء الجادات اطلق عليه اسم (شارع
الرشيد) ...كان شارع
الرشيد متربا ويعلو التراب الابنية المهدمة
ومنها ابنية بارزة مثل جامع
الحيدرخانه وسوقها والمدرسة المرجانيه وسوق الميدان
اضافة الى الدور التي كان اصحابها يعيشون فيها وقد علقوا بعض الستائر لحجب
انظار المارة .. كما نظم الرصافي يصف حالة
الشارع ..
نكب الشارع الكبير ببغداد***فلا تمشي فيه
الا اضطرارا
تحسب العابرين فيه سكارى ***من هواء تنسموه غبارا
واذا ما مشيت في جانبيه ***فتجنب رصيفه المنهارا
لم يكن الشارع مستويا الا في بضعة امتار في منطقة الميدان فكان فيها بعض
الطابوق المرصوف وكان الشارع منخفضا في ساحة الميدان وامام سوق الصفافير وجامع
مرجان وراس القرية لذلك كانت اشغال الحمالين ايام المطر رائجة في هذه المناطق لحمل
الناس على الاكتاف لكي يعبر الشارع من جهة إلى أخرى اما ازدحام العربات بأنواعها
والحيوانات والسيارات فقد كان بالغا ومزعجا حيث كان هو المتنفس الوحيد لجانب الرصافة في
بغداد وقد خصص للشارع بضعة افراد من الشرطة تدربوا لتسهيل المرور في دورة خاصة
فتحها مفتش الشرطة الأقدم (بريسكوت)
لتهيئة شرطة مرور يساعدون الانضباط العسكري البريطاني (ام بي) والبسوا
الشرطة المذكورين في اذرعهم اكياساً بيضاً مخططة بالأسود علامة على انهم مسؤولون
عن النظام في الشارع.
في أوائل العشرينيات حصلت فوضى كبيرة في الشوارع
على اثر اعلان عن تبديل نظام السير من اليمين إلى اليسار فقد كان السير سابقا وفقا
للنظام البريطاني الذي يكون فيه مقود السيارة إلى الجهة اليمين حيث قامت شركة
(كوترل وكريك) وبيت يوسف سعد والاسطى سلمان الميكانيك والذي اصبح بعدئذ المسؤول عن ميكانيك سيارات الشفروليت في
شركة بيت لاوي... والاسطى أحمد في الميدان
بعملية نقل مقود السيارة من اليمين إلى اليسار بنجاح غير كامل ولكن هذه ليست
المشكلة .. المشكلة كانت في العربات لان الخيل المعتاد
في جهة اليمين من العربة لاتعرف كيف تتحرك وتسير إذا ربطت على جهة اليسار وكذلك
العكس وحصلت المصادمات وسقطت الخيول في الشارع وبعد شهر أو أكثر استقام الحال
واعتادت الخيول مرة ثانية على سحب العربة بسهولة ويسر.
لم يكن في شارع الرشيد شوارع فرعية الا بعض
الشوارع المؤدية إلى نهر دجلة بل كانت
هناك طرق مثل طريق الصابونجية في الميدان وطريق العباخانة في سيد سلطان على طريق
باب الشيخ وكانت المشكلة الكبرى تقع يوميا في الشارع أثناء عبور العربات على
الجسور في ايام الفيضان حيث يكون الجسر أعلى من مستوى الشارع ولا يستطيع سائق
العربة ابقاف الخيل على مثل هذا المنحدر حتى إذا استطاع وجذب اللجام بقوة
فان الخيل تتزحلق بسبب نعومة النعلجات تحت حوافرها لذلك كان يحصل الاصطدام
بالسيارات وبالناس وذهبت ضحايا كثيرة ففي احد المرات اصطدم (اوخ) العربة وهي الخشبة الطويلة التي
تربط الحصانين بالعربة بمؤخرة إحدى سيارات الباص الصغيرة وتهشم الزجاج الموجود
بالجهة الخلفية من السيارة حيث قتل صبيان ذبحا بالزجاج وجرح اخرون بالاوخ.
كانت المنطقة المحصورة
بين باب الاغا وراس القرية أكثر المناطق ازدحاما بالناس والكدش والعربات والحمير
المحملة بالبضائع والرقي والبطيخ من شريعة المحكمة أو شريعة الجسر، لانها هي قلب
المنطقة التجارية في بغداد وقد حاولت الحكومة انذاك إصلاح الحال ومنع
العربات من المرور في الشارع ولكنها لم تفلح ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق