يحكى عن جمالها الشي الكثير .. جمالها ساحر ..انها ساره اوهانيس
ماركوس اسكندريان .. او سارة خاتون ..فتاة ارمنية بغدادية ..ولدت سارة في
بغداد عام 1889..فقدت والدتها صوفي وأختها الصغيرة زابيل وهي في الثامنة من العمر ثم توفي والدها قبل أن تبلغ سن الرشد لتبقى تحت
رعاية عمتها صوفي ووصاية عمها سيروب اسكندريان. خلف لها والدها ثروة طائلة جداً
تتضمن أموالاً وبساتين وأراضي زراعية في بغداد والصويرة والحلة ومنطقة الشوملي،
فضلاً عن أراض واسعة ضمن حدود أمانة بغداد. القصر
الفخم للاسرة يقع في شارع الرشيد على ضفاف نهر دجلة، أصبح في ما بعد أحد
فنادق بغداد المعروفة وأسمه (ريفر فرونت هوتيل) او جبهة النهر ...كان القطار
يستغرق نصف ساعة للخروج من حدود املاكها .
كان والدها قد أوقف أحد بيوته الكبيرة الى الطائفة الأرمنية بعد وفاة ابنته زابيل
وهي في سن السادسة عام 1897 لتكون مدرسة سميت باسم (المدرسة الزابيلية)
تخليداً لذكراها ، وهي أول مدرسة للبنات في بغداد تأسست عام
1901، و دمجت عام 1917 مع أول مدرسة أرمنية أنشئت في بغداد عام 1852
باسم (تاركمانجاتس) وتعني (المترجمون) لتتكون
منها أول مدرسة مختلطة في العراق، وهي مدرسة الأرمن المختلطة الأهلية.
في احد ليالي شهر آب 1910
أقام ناظم باشا" الوالي العثماني " حفلة راقصة على ظهر باخرة نهرية من
أجل إنشاء مستشفى الغرباء ببغداد.. حضرتها سارة مع أفراد عائلتها ولم يكد الوالي
يشاهدها حتى شغف بها حباً على الرغم من الفرق الكبيرفي العمر بينهما بينهما
طلب الزواج من سارة فرفضته، فشعر الوالي بالاهانه ، وأخذ بتضييق
الخناق عليها وأوعز الوالي إلى الجندرمة أن يقتحموا بيتها، فتسلقت الجدار الذي
يفصل بينها وبين جارها القنصل الألماني في بغداد (هسا) الذي وجد أن بقاءها في داره
قد يسبب أزمة دبلوماسية، فنقلها على الفور إلى دار السيد داود النقيب (ابن أخ عبد
الرحمن النقيب ... نقيب اشراف في بغداد) في محلة باب الشيخ ببغداد، فآواها النقيب
ووفر لها حماية كاملة فلم يتجرأ الوالي على اقتحام دار السيد النقيب.. بقيت سارة
في دار السيد النقيب خمسة أيام اعتقل الوالي خلالها خادمتي سارة لولو وفريدة بتهم
ملفقة باطلة، وأبعد خطيبها الى كركوك لأداء الخدمة العسكرية
هناك، على الرغم من دفعه للبدل النقدي ..
سارعت سارة الى الهرب من بغداد بمساعدة راهبات دير الراهبات الفرنسيات
متخفية بزي راهبة وبصحبة الراهبة هنرييت والراهب الاسباني بيير. واستطاع الثلاثة
أن يغادروا محلة "رأس القرية" ، حيث يقع
الدير الى منطقة "المصبغة" المجاورة
للمدرسة المستنصرية، واستقلوا باخرة من بواخر شركة بيت لنج المعروفة
التي كانت ترسو عند شاطئ المنطقة، للذهاب الى البصرة.
حاول ناظم باشا اعتقالها إلا أن قائد الباخرة منعهم من ذلك، لكونها
تحمل العلم البريطاني وكانت بواخر هذه القنصليات تتمتع بحصانة دبلوماسية
كالقنصليات التابعة لها. وصدرت الأوامر إلى قائدها بأن يقودها إلى البصرة بأقصى
سرعتها ومن دون توقف في أي مدينة تمر بها.
تعاونت القنصلية البريطانية في البصرة مع القنصل الروسي هناك لتهريب
سارة على إحدى البواخر الراسية في شط العرب التي كانت تستعد للتوجّه إلى مدينة
بومبي. ورست الباخرة في ميناء بوشهر الإيراني ، وبقيت سارة في ضيافة السير برسي
كوكس المقيم البريطاني في بوشهر، بعدها تركت سارة بوشهر إلى بومباي ... نقل ناظم
باشا من منصبه الى اسطنبول ليصبح وزيرا للداخلية .. وتوفي هناك ...في حين غادرت سارة بومباي الى باريس حيث
تزوجت عام 1913 من تانييل اوهانيس تاتيوسيان وهو عراقي أرمني. ثم عادت إلى بغداد
مع زوجها عام 1918، وأخذت ترعى ثروتها بنفسها.
سمت ولدها برسي عرفانا للجميل الذي أبداه لها برسي كوكس في بوشهر وسمت
ابنتها صوفي على اسم أمها وعمتها. كما ولدت لها ابنة أخرى أسمتها ادما.
وفي عام 1917، أسست سارة خاتون الهيأة النسوية الأرمنية لإغاثة
المهجرين الأرمن الناجين من الإبادة
الجماعية ايام الدولة العثمانية عام 1915
وقامت سارة خاتون وزوجها تانييل بتوزيع الطعام والملبس على 20 ألفاً من المهجرين
الأرمن الذين استقبلهم كمب الكيلاني ببغداد. وقامت عام 1937 بتوزيع أراضيها لقاء
مبالغ مالية زهيدة. وحتى تضمن حصول أكبر فئة من الناس على هذه الأراضي، لم
تبع أية قطعة أرض تزيد مساحتها على 150 متراً. وسمي هذا الحي
الأرمني (كمب سارة) . واستمرت ومنذ عام 1938، بتوفير الملابس
والقرطاسية لجميع الطلبة المتعففين في مدرسة الأرمن. على الرغم من ظهور البوادر
لأزمتها المالية واستمرت بعملها الخيري هذا مدة عشر سنوات بلا انقطاع.
يروي الذين عاصروها الكثير من الحكايات عن بذخها الذي تجاوز المعقول
ووصل الى التبذير والإسراف حيث كانت الدعوات التي تنظمها في بيتها فريدة من نوعها
في بغداد.
تأزمت أوضاعها المادية بشكل سريع وأتتها الضربة الكبرى، إذ فقدت في
يوم واحد، وإثر عملية احتيال كبيرة كل ما
تملك من ثروة حتى منزلها. وقام أناس
بمساعدتها بشكل ظاهر أو مستتر.
استمرت خادمتها المخلصة وسائقها الشخصي بخدمتها بلا مقابل حتى وفاتها
في 5 كانون الأول 1960...
24/8/2018
ردحذف