اشتهرت بغداد بكثرة مقاهيها وخاناتها العامرة، وقد وصفت بغداد و المدن
العراقية آنذاك ، كما ذكر على الوردي ، بأنها اكثر مدن العالم في عدد
مقاهيها وخاناتها نسبة لعدد سكانها ، ويصف السواح الغربيين الذين شاهدوا بغداد في
تلك الفترة ، بأن هناك بين كل مقهى ومقهى ، يوجد مقهى .
اول مقهى اسس في بغداد كان في عهد الوالي ( جغاله زاده ) صاحب
الخان المعروف ( بخان جغان ) وذلك في عام 1586 ومكانه الان قرب المدرسة المستنصرية.. كانت هذه المقاهي في البداية منكرة اجتماعيا ولايرتادها الا
طلاب اللهو والمستهترون وكانت استراحة للأجانب من التجار والغرباء الذين
ينزلون الخانات القريبة .. وكان من عادة اصحاب المقاهي أستخدام الغلمان
الحسني الطلعة لتقديم الشاي والقهوة والمشروبات الى الزبائن ، و تستخدم في هذه المقاهي الجوقة الموسيقية الغنائية
التي كانت تسمى ( بالجالغي ) حيث يتم تهيئة مكان في المقهى الى ما يشبه خشبة المسرح
يسمي (بالتخت) نسبة الى مصاطب المقهى ( التخوت ) التي كانت عريضة ومتينة
تجمع كل اثنان منهما مع بعض وتستخدم كمنصة ، يجلس عليها العازفون ومغني
المقام او البستة ثم اصبحت كلمة (التخت ) تعني الجوقة الموسيقية والكورس وفي
تلك الايام لم يكن مسموحا للشباب ارتياد
المقهى الا بعد ان تظهر لحاهم .
كان المقهى هو المكان الوحيد الذي يجمع البالغين من
الرجال في اوقات فراغهم و كان مكان لتبادل الاخبار وقضاء الوقت
واللهو ولعب الطاولي والدومينو وشرب
النركيلة ، و اللقاء بالاصدقاء ( الزكرتيه) العزاب والذي كان من المتعذر في
ذلك الوقت دعوتهم الى البيت الذي فيه حريم .
والمقهى ايضا كان مقرا لتصريف وتنظيم وتنسيق
الاعمال فيما بين التجار او الحرفيين او حتى اصحاب الهواية الواحدة
، وكان يجتمع في هذه المقاهي رواد من الصنعة
والحرفة الواحدة ، وكانت المقاهي تسمى باسم المهنة كمقهى التجار ومقهى البنائين ومقهى
المطيرجية ، وكانت هذه المقاهي تتنافس فيما بينها لجذب الزبائن اليها
بأستئجار المغنيين وقراء المقام المعروقين في ذلك الزمان ، والقصخونية
رواة الحكايات والقصص والملاحم الشعبية ، وكان بعضها يقدم عروض (
القره قوز ) و( خيال الظل )، وتختص بعضها في اقامة مباريات صراع الديكة
والكباش ، وقسم آخر منها يملك الجفر لالعاب الزورخانة ، وتنشغل جميع هذه
المقاهي في سهرات ليالي رمضان بلعبة ( المحيبس) الشعبية .
هكذا كان حال المقاهي في العراق حتى بداية القرن الماضي
.. ولكن بعض هذه المقاهي وخاصة في منطقة الميدان في بغداد طورت
عروضها وما كانت تقدمه للزبائن على غرار ماكان موجودا في حلب
وايران من ملاهي , فأستقدمت راقصات ومغنيات من سوريا ولبنان ومصر في تحول
نوعي .. وانفتاح وأقبال على فنون كانت ممنوعة علنا
باعتبارها من المفاسد ...
وقد استلزم هذا التطور
الاجتماعي ، تغيير هذه المقاهي و شكل بنائها بحيث وفرت
المقاهي اماكن خاصة للرقص أشبه بخشبة
المسرح سميت ( بالمرقص) وتحول بعضها فعلا الى ملهى ، مثل مقهى سبع في
الميدان ، الذي تحول اسمه الى ملهى سبع . والذي كان اول مقهى يتحول الى ملهى وكان
ذلك في عام 1907 ، وجاء سبع بالغلمان المخنثين الذي يسمى الواحد منهم
بالعاميه ( شعار )... و جائت التسمية كونهم كانوا يطيلون شعور رؤوسهم ويزيلون ويحفون
الشعر عن وجوههم وسيقانهم كما تفعل النساء ، ويلبسون الفساتين النسائية
. .
في عام 1908 صعدت اول امرأة على المرقص في هذه المقاهي وذلك
عندما قدمت الى بغداد من حلب راقصة يهودية تدعى ( رحلو) بنت فريده العراطه
الملقبة ( جرادة ) وبدأت ترقص في ( مقهى او ملهى
سبع) ، ثم بدأت باقي المقاهي تقلد مقهى سبع بجلب الراقصات والمطربات
للعمل في مراقصها من الشام ولبنان ومصر .
و توالت فيما بعد المقاهي التي وفرت فيها منصات الرقص ، على
شاكلة مقهى سبع كمقهى الهلال ومقهى السواس وغيرها من المقاهي .وبعد ان اصبح
وجود الملاهي امرا واقعا ..عاد المقهى ليأخذ دوره الطبيعي في المجتمع ..ليكون المقهى مقهى .. والملهى
ملهى .. في الاربعينات انتشرت بعض المقاهي التي اخذت الطابع الاوربي مثل المقهى
البرازيلية والسويسريه والكيت كات والتي
كانت طفرة نوعية في الذائقة المجتمعية .. وانفتاحا لا بد منه على الذائقة الغربية
..
اما الآن فقد ابتلى الله اولادنا بالكوفي شوب ..وما ادراك ما الكوفي شوب ..السكوت افضل ..
ولنترك الكوفي شوب الى شذرة قادمة..
20/8/2018
ردحذف