يقع هذا البحر غربي محافظة
النجف ...عرف عند الآراميين باسم (فَرْشا) وعرف عند اليهود باسم (حاشير) اما في عهد الساسانيين فقد
اطلق على بحر النجف اسم (الجوف). وكان يعرف في عهد الاسكندر الأكبر باسم (بحيرة روميه) او
(اهوار روميه) وسمته العرب في عصر
ما قبل الإسلام بـ
(بحر بانقيا) . وما زال بعض اهل مدينة النجف يقول بان اسمه (الني) فلما جف سمي (الني جف) ولكثرة
الاستعمال سقطت الياء تخفيفاً فصارت تسمية (النجف) وهو اسم المدينة الحالي ..
البقعة التي يشغلها حاليا كانت
فيما مضى قسماً من البحر، غير أن أرتفاع الأرض بسبب تراكم الأتربة المترسبة في
قاعه من مياه الفرات فصلت هذه البقعة عن البحر ويقدر أنخفاض قاع بحر النجف اليوم
عن سطح بلدة النجف المطلة عليه بنحو 50 متراً اطلق عليه أسماء كثيرة منها : ( بحر النجف ، وهور النجف ،
وبحيرة النجف ، ومستنقع النجف ، ومنخفض النجف حيث يبصر المشاهد اذا وقف على مرتفع النجف أو على كتف
البحر ، إمتدادا مائيا واسعا لم يشاهد من قبل .. لذا جاء لفظ (البحر) من باب
التفخيم والتعظيم لتلك الصفحة المائية العريضة . ويروى ان السفن كانت ترد من الصين إلى بحر النجف كما اشار المسعودي ..
كما يروى ان خالد بن الوليد سأل احد
القادة ...فما أدركت ؟ فقال : أدركت سفن البحر ترفأ إلينا في هذا النجف بمتاع
الهند والصين. وقد سلك هذا الطريق اليونانيون والفرس والعرب في العصور المختلفة ،
وكانت السفن التجارية تغادر بحر النجف وهي محملة بالحديد والنحاس والقصدير من
منتجات العراق وسوريا وبلاد الروم واليونان ، وتعود من الهند والصين و سريلانكا
وشرق أفريقيا محملة بالحرير و الاستبرق والقرنفل والفلفل والزعفران والصمغ والصدف
والعاج والدر والمرجان وغيرها من السلع..
يذكر الرحالة ( المستر بارلو
) في عام 1889 م قائلا : إن أكثر الزائرين الذين يقدمون من الهند لزيارة الأماكن
المقدسة في كربلاء والنجف يسلكون طريق الفرات فالعطشان فالشنافية ، وإن سفن كثيرة
ذات حمولة خمسين طنا تمر من هذا الطريق النهري الذي ينتهي بالنجف وان هذا النص الحديث تاريخيا الذي يؤرخ لبحر
النجف في القرن التاسع عشر الميلادي يؤيد بأن بحر النجف يتصل بالخليج العربي عن
طريق نهر الفرات وبطائحه وهذا ما يميل اليه الدكتور مصطفى جواد .. تغيرت مساحة بحر
النجف على طول التاريخ ، فقد كان بحر النجف في القديم أكبر مساحة بكثير مما هو عليه
في أزمان متأخرة ،حيث كان نهر الهندية الذي
يجري في الجهة اليمنى من الفرات وهو يحمل نصف مياه نهر الفرات ، يترك مدينة
كربلاء على جهته الغربية وأطلال بابل في الجهة الشرقية ومن ثم يتحول إلى عدة أنهر
وهذه الفروع كانت تسمى (المشاخيب) ثم توحدت بطبيعتها وصارت نهراً واحداً هو
المعروف اليوم بأسم (المشخاب). أما بقية الفروع فكانت تجري نحو الغرب بعد أن تقطع
مسافة ليست بالبعيدة تنعطف نحو الشمال وتنتهي ببحر النجف وهي نهر البكرية .. نهر جحات ..نهر الصافي
..نهر أبو جدوع .. نهر البديرية ، ثم سميّ الفيصلي وأطلق عليه أخيراً أسم جدول
الحيرة... نهر الهاشمي.. وهذه كانت جميعها تتمون من الفرات مباشرة وتصب في
البحر وقد انتهت جميعها.
كان بحر النجف يمتد نحو الجنوب الشرقي إلى مسافة أربعين ميلا ، وينشأ
من نهايته السفلى نهران ، يقال لهما : شط الخفيف وشط العطشان وحينما يطغى الفرات
طغيانه السنوي المألوف يفيض إلى بحر النجف فتصبح المسافة الممتدة بينه وبين
السماوة كلها قطعة واحدة من المياه يطلق عليها "الخور ". ويكون
ماء هذا البحر عذبا صالحا للشرب حينما تصب فيه مياه الفرات كلها ، ويصبح ملحا
أجاجا حينما تنقطع عنه ، وعند ذلك يضطر أهالي النجف إلى جلب الماء من الكوفة..
وفي عام 1887 م اخذ بحر النجف بالجفاف بعد ما عمد السلطان العثماني إلى سد منافذه الرئيسة التي تصب فيه بالصخور الكبار فسمي بابي
صخير وكان اسمه السابق (الجعارة) لشدة صوت البحر..وبعد تجفيفه ظهر ما كان في قاعه
من أنقاض للسفن التي غرقت فيه قديماً وبعض الأشياء الأخرى ، ومن غريب ما شوهد فيه
عند جفافه ظهور السلاحف التي كانت تعيش بمائه فقد ظهرت ظهوراً غريباً بحيثوصلت
اعدادها الى الالاف ..
حاليا وبعد جفاف البحر اصبحت منطقه بحر النجف من اهم الاراضي الزراعية
وبدأت الناس بالسكن فيه وشقت فيه العديد من الطرق وحاليا هو من اهم المناطق الصالحة للزراعة في العراق ..
مع تحيات الشيخ حمود الساعدي
ردحذف