تميز البغداديون بحبهم للفنون وتجلى هذا في الكم الكبير من دور العرض
السينمائي التي انتشرت في بغداد منذ ثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي والتي وصلت الى قرابة الخمسين
دارا في بغداد منها في شارع الرشيد فقط قرابة العشرين دارا تحدثنا عنها في شذرات العام
الماضي .. لكن سينما غرناطة تميزت عن
غيرها من دور العرض السينائي بكونها المكان المفضل للنخبة الثقافية الراقية والتي كانت تبحث عن
افلام سينمائية جديدة ومتميزة وكانت تتميز بما يسمى افلام العرض الاول ..وكانت
كل يوم اثنين من كل اسبوع تقدم منهاجا
لآخر الافلام التي سيتمّ عرضها في الدار ...
سينما غرناطة او " ياقوتة صالات الفن السابع" تقع في شارع الملك غازي محلة قهوة شكر في منطقة الباب
الشرقي.. أسسها المرحوم عبد الرزاق الشيخلي عام 1941 تحت اسم سينما
دار السلام تيمّنا بالعاصمة بغداد التي
كانت تعرف بهذا الاسم ، وفي مطلع الستينات تغير اسمها فسميت " سينما ريو
" وفي سنة 1971 استقر مالكها الجديد على تسميتها سينما غرناطة ..
عدد مقاعدها (1150) مقعداً وكان تأثيثها من أرقى الاثاث الايطالي والاميركي الفاخر
لتكون في غاية التميّز عن بقية الصالات كونها كانت مقصد العوائل العراقية العريقة
ومحط رحال النخبة البغدادية المثقفة اضافة
الى جمال تصميمها وسعة مساحتها وأجنحتها
ومقصوراتها الفارهة ذات الطراز الايطالي الملفت للنظر ، تميزت ايضا بالتنظيم في عمليات الدخول والخروج واختيار
المقاعد وفق الارقام في جميع اقسامها وكثرة الموظفين المختصين بالدلالة الذين يشيرون الى مقعدك المخصص بكل يسرٍ
...واخيرا ذلك الجرَس الجميل الذي يؤذن ببدء الفيلم وفي اوقات الاستراحة
لمع نجمها وتألقت وصارت هدفا للزوار والباحثين عن المتعة الفنية
الراقية عندما قامت بعرض الفيلم الشهير " مدافع نافارون " عام 1962 والتي
مثّلته الممثلة اليونانية الشهيرة ايرين باباس الى جانب غريغوري بيك ثمّ اتجهت بعد
ذلك الى عرض احدث النتاجات السينمائية الفرنسية التي كانت تؤخذ مضامينها من روايات
عمالقة كتّاب الرواية الفرنسيين امثال فيكتور هوجو وبلزاك وموباسان وغيرهم ، ومن
خلالها تعرف البغداديون على خيرة الممثلين الفرنسيين امثال
آلان ديلون وكاترين دينوف وسيمون سينوريه ومارلين جوبير ..فيها كان العرض
الاول للفيلم الرائع زوربا .. لانتوني كوين عن قصة الكاتب اليوناني كازنتزاكي
والذي تمّ عرضه اوائل السبعينات.. في غرناطة عرض
فيلم " الاخوة كارامازوف " المأخوذ من رواية فيكتور ديستوفسكي
...
مررت بهذه الصالة العريقة قبل فترة .. صحيح انها مازالت قائمة في
مكانها لكنها اصبحت مهجورة و لااحد يزورها بعد ان كان الحجز فيها بالدور وقبل يوم
او اكثر ... باعة الخردة والملابس والاحذية المستعملة والافلام الاباحية ..وحبوب الكبسلة واللصوص والنشالة والقفاصة زحفوا على رصيفها ، اضافة الى طفح المجاري
القريبة منها وتراكم النفايات ومخلفات الباعة امامها ، كل تلك المناظر البائسة
ذكرتني بصديقي الشاعر عباس الراحل .. رحمه الله .. ورسالته الاخيره ... تذكروني ..
في زمن اللنكات ..
13/12
ردحذف