في عام 1886 أرسل الى المدرسة
اليسوعية في بيروت لدراسة اللغتين اليونانية واللاتينية ، ومدرسا في ذات الوقت للغة العربية ، وفي نفس العام
سافر الى بلجيكا حيث دخل سلك الرهبان في دير شفرمون ، واصبح اسمه منذ ذلك الحين
انستاس ماري الكرملي
في عام 1888 إنتقل الى دير مونبيليه ( فرنسا ) ليقضي فيه ست سنوات في
دراسة اللاهوت والفلسفة واللغات . وفي عام 1893 تم ترسيمه كاهنا ً ليعود بعد عام الى وطنه العراق حيث
تولى ادارة مدرسة الآباء الكرمليين لعدة سنوات ، ثم ترك الإدارة ليتفرغ تماما ً
للبحث والدراسة والتأليف ..
اجاد الكرملي اللغات الفرنسية
، اللاتينية ، اليونانية ، السريانية ، العبرية ، الحبشية ، التركية ، الفارسية ،
الانكليزية ، الاسبانية ، والايطالية ، إضافة لنبوغه في اللغة العربية التي أحبها
وعشقها وإعتبرها أغنى اللغات وأجملها..اصدر الكرملي عام 1911 مجلة " لغة العرب
" الشهرية وهي اهم مرجع
تاريخي في التقصي والبحث عن احوال العراق والبلدان ولكنها توقفت عند اندلاع
الحرب العالمية الاولى عام 1914 وتعرض للمضايقة والاضطهاد من قبل الاتراك ، نظرا
لمواقفه الوطنية . واحرقت الكثير من كتبه وسيق الى المعتقل في مدينة قيصرية وهناك تعرض لألوان التعذيب ، وبتدخل من مطران الأرمن اطلق سراحه وعاد الى مدينته بغداد
، ليواصل جهوده الكبيرة في خدمة اللغة العربية والتاريخ...و لقد بلغ من شغفه
باللغة العربية الفصحى أنه كان يحسن
الإصغاء إلى القرآن الكريم وهو ذلك الراهب الناسك ، وما مرة زاره فيها مقرئ العراق
الشهير المرحوم ( الحافظ مهدي ) إلا وألح
ّ عليه بأن يتلو على مسامعه آيات من الذكر الحكيم ، فيشق سكون الدير ذلك الصوت
الرخيم وكان الكرملي يصغي بكل جوارحه...
كان له في كل جمعة مجلس اسبوعي ذاع صيته و يسمى ( مجلس الجمعة ) والذي
اضحى قبلة الادباء والعلماء والمفكرين
امثال يوسف غنيمة ، حامد الصراف ،
رزوق عيسى ، كاظم الدجيلي ، عبد الرزاق الحسني ، هاشم الوتري ، مصطفى جواد ، مهدي
مقلد ، محمد رضا الشبيبي ، روفائيل ابو إسحق ، روفائيل بطـّي ، الملا عبود الكرخي
، عباس العزاوي ... وغيرهم... كان هناك شرطان
وضعهما العلامة الكرملي أمام رواد مجلسه ، وهما تحريم النقاشات السياسية والدينية
، وقد كانت فكرته تلك ذكية جدا ً ، لتجنب الاحتكاكات والإشكالات التي تحصل من
الخوض في الموضوعين اعلاه .. اما الشرط الثاني فكان الانصراف الى الأدب وأبحاث اللغة ..وهي بحد
ذاتها موحدة للجميع ، ومن النادر حدوث
انقسامات وانشقاقات فيها.. كان مجلس
الجمعة يبدأ في الثامنة صباحا ً ، وينتهي في الثانية عشرة ظهرا حيث يدق ناقوس
الكنيسة ، مؤذنا حلول فترة الظهيرة..وكان يوفر طاولة وعليها الكتب والمجلات
والجرائد المحلية والعربية والأجنبية الصادرة حديثا ً في مختلف اللغات ، ليطلع
عليها مجلسه الذي كان بمثابة مجمع علمي عراقي مصغر ...
كتب مقالات كثيرة وبحوثا ً
قيمة جدا ً زادت عن الالف ، في مختلف الصحف والمجلات العلمية والادبية التي لها
مكانتها في العراق او في خارجه و أصبح عضوا ً في مجمع الإستشراق الألماني ،
والمجمع العربي في دمشق ، والمجمع العلمي في جنيف ، ومجمع اللغة العربية المصري ،
ونال اوسمة وميداليات عالية في دول عديدة
منها انكلترا وفرنسا
بتاريخ 7 / تشرين أول /
1928 كرم الاب انستاس الكرملي من قبل رئيس
الوزراء انذاك عبد المحسن السعدون باحتفال
كبير في داره .. كما أقيمت حفلة تكريمية اخرى للاب انستاس في نادي الكرمل بحيفا –
فلسطين عام 1946 . وكان في حينها في الثمانينات من عمره ويصارع الشيخوخة وامراضها
..
توفي العلامة الاب انستاس
الكرملي في 7 / كانون الثاني/ 1947 ودفن في مقبرة اللاتين ببغداد ..
نشر 8/12/2017
ردحذفأزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذف