الخميس، 2 نوفمبر 2023

الهايته.. الهيته

رواسب القرون العثمانية الأربعة التي عاشها العراقيون ظلت راسخة في وعيهم الجمعي يتوارثونها جيلًا بعد جيل، خاصة تلك المتعلقة بالفوضى التي رافقت الوجود العثماني داخل بلادهم في أغلب الأوقات. وكان جيش «الهايته» هو أكثر ما اعتبروه مرادفا لتلك الفوضى، وملخصا لمعانيها، حتى فرغوا اللفظ من معانيه العسكرية، وصيروه مثلًا يتندرون به كلما وجدوا ميلًا للفساد والإفساد.
الهايته هي قوة جندرمه غير نظامية، يستخدمهم الوالي لقاء أجور شكلته الدولة العثمانية من متطوعين اغلبهم من العنصر الألباني وبعض الاعراق المختلفة في العراق تشكل بعد حل الجيش الانكشاري وقد اتسم ذلك الجيش بالضعف والفوضى والفساد الواسع، بحيث لم يكن قادرًا على الإمساك بزمام الأمور في بلد كان تحت سيطرة بكوات المماليك في بغداد والموصل و أمراء الأكراد في الشمال، والعشائر العربية في الجنوب.في عام 1831 حاول السلطان محمود الثاني فرض السلطة على بغداد، بحملة قادها علي رضا باشا اللاز والي حلب، وتمكن فيها من القضاء على المماليك ونفى داوود باشا، آخر والي مملوكي للمدينة إلى الأناضول..وكنتيجة مباشرة لدخول رضا باشا اللاز الى بغداد عاود الولاة فرض الضرائب المجحفة، والمعاملة القاسية، وتحول جيش الهايته - بفساده وهرجه وانعدام تنظيمه إلى مصدر للفوضى والاضطراب بدلًا من أن يكون مصدرًا للأمن، حيث استمر اقتتال الجند فيما بينهم، كما تواصلت اعتداءاتهم على الناس لنهب أرزاقهم. استمر العراق يعيش تلك الحالة المتردية حتى بدأ السلطان محمود الثاني عصر التنظيمات في العام 1839. وهي مجموعة من التشريعات استهدفت علمنة الدولة العثمانية، وإلحاقها بركب الحداثة الذي أنشأته أوروبا ومنها البدء في إحلال نظام عسكري جديد محل نظام «الهايته»، بإدخال التنظيمات العسكرية الأوروبية الحديثة، وفرض التجنيد الإلزامي على الذكور البالغين من الأهالي والذي طبق في الموصل سنة 1835 بصرامة ولكن لم يحاول تطبيقه أحد في جنوبي العراق قبل سنة 1870 .
كان جيش الهايته بفوضويته ونقص تجهيزاته المختلفة وعدم انضباطه والسيطره عليه موضع سخرية وتندر العراقيين ودخلت كلمة ( هايته وهيته ) في قاموس الامثال العراقية .. ومازال كبار السن حتى اليوم وخاصة في منطقة الحويجة ، يطلقون على التجمعات الفوضوية فيقولون حصن الهايتي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مستشفى ابن البيطار .

  كان تشارلس هاوهي  رئيسا للحكومة الايرلندية   في ثمانينيات القرن الماضي  وتمتع بعلاقة شخصية مع السلطات في بغداد ايام  كان وزيرا للصحة حيث ع...