كثيرا مانسمع بالنوط ابو الخمسة .. او النوط ابو العشرة...والنوط هو النقود الورقية التي أصدرتها الحكومة العثمانية لتحل محل نقود الذهب والفضة ، وكانت قد أصدرتها بكميات كبيرة جدا خلال الحرب العالمية الاولى لسد نفقاتها العسكرية ، وبدأت بفرضها على الناس بالقوة مما أدى الى هبوط قيمتها في الاسواق تدريجا .حيث اصدرت بلاغا منعت به الاهالي من التعامل بالنقود المعدنية منعا باتا وأوجبت على كل من لديه عملة من الذهب او الفضة أن يستبدلها بالنوط الورقي ، وانذرت المخالفين باشد العقوبات ..وطالبت الاهالي باعتبار الأوراق النقدية كالذهب وهددت بان الحكومة "أيدها الله " ستضرب بمقامع من حديد كل من يعرقل تداول الاوراق النقدية أو يخل بقيمتها الحقيقية .
التشديد في فرض النوط على الناس أدى الى ازدياد هبوط قيمته في الاسواق ، حتى وصلت ربع قيمته الرسمية وأخذ رجال الحكومة يزدادون شدة
على الناس كلما ازدادت قيمة النقد هبوطا . وكان اكثر المتضررين هم الصرافين في بغداد
وكان اكثرهم من اليهود حيث اتهمتهم الحكومة
بأنهم كانوا السبب في هبوط قيمة النوط فألقت القبض على عدد منهم وألقت بهم في السجون
و نکلت بهم تنكيلا شنیعا.
واصبح من المناظر المألوفة في الاسواق
حينذاك أن يأتي الضابط أو الجندي الى السوق ويضطر البائع أن يقدم للضابط البضاعة التي
يطلبها ثم يعيد له الورقة النقدية أيضا بحجة
بأنه لا يملك بقية لها كما كان الباعة
يحتالون بوضع ابنائهم الصغار في المحل فاذا جاء الضابط بريد شراء شي قال له
الصبي : « أن والدي غير موجود وأنا لا أعرف البيع ) ۰
ومن اشهر الحوادث ما وقع لاحد شقاوات
بغداد واسمه .. حسن کبریت ، الذي أخرج کیس
نقوده لدفع ثمن شيء اشتراه ، وكان الكيس مليئة بالليرات الذهب ، فلمحه ضابط ومعه جندیان
فأمسك بالكيس لغرض مصادرته ، ولكن حسن استطاع
أن يطرح الضابط أرضا ويضع رأس خنجره على عنقه مطالبا ایاه باعادة الكيس والا سيذبحه
. فسلم الضابط له الكيس صاغرا وخرج مهرولا من السوق مع الجندين . واصبحت هذه القصة
مما يتندر به البغداديين حينذاك .
حاولت الحكومة توفير بعض السلع وبيعها للناس في الاسواق العامة حسب السعر الرسمي للنوط... ولكن لم تنجح ايضا في حل المشكلة بسبب فساد الجهاز الإداري الذي لم يستفد منه سوى أولي النفوذ والمناصب العالية
، كما استغل بعض الموظفين قضية النوط الورقي وجنوا منها أرباحا كبيرة ، فاذا جاءهم مراجع لدفع الضرائب أو الرسوم بالنوط
الورقي .. عرقلوا معاملته ، ولا يسهلونها الا
اذا دفع لهم بالذهب وطبعا يقومون بتسجيلها في السجلات الرسمية بالنوط الورقي . كما استغل بعض الأهالي قضية النوط ايضا ، فكانوا يسددون
ديونهم بالنوط حسب سعره الرسمي ، ولا يستطيع الدائنون أن يعترضوا على ذلك خوفا
من العقاب . والواقع أن المدينين لم يكونوا كلهم من هذا القبيل فيما ظلت الاقلية ممن
تخاف الله تمتنع عن تسديد ديونهم بالنوط اذ اعتبروا ذلك عملا محرما لا يرضي عنه الله
...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق