الاثنين، 11 ديسمبر 2023

ابو طبر ... ايام الرعب

 
قبل الحديث عن الموضوع لابد من القول  انه رغم  بشاعة هذه الجرائم  التي عاصرناها  فانها لم تخضع لما يجب من دراسات تحليلية، من النواحي النفسية والاجتماعية والسلوكية والامنية والقانونية ولم تكتب حولها سوى رسالة ماجستير مقدمة الى  قسم الاجتماع بجامعة بغداد من قبل الاستاذة ناهدة عبدالكريم حافظ تم اعتبارها سرية ومحدودة التداول ولم يسمح بنشرها..
هي جرائم بشعة هزت المجتمع العراقي عموما والبغدادي خصوصا على مدى عام كامل. وشكلت تقويضا وتهديدا للامن والنظام العام مما اضطر  السلطة حينها ونتيجة لما خلقته من  بلبلة في الوضع الأمني الى إقالة مدير الشرطة العام، ومدير شرطة محافظة بغداد، ومدير مكافحة الأجرام، وتحميلهم مسؤولية التقصير في كشف هذه الجرائم  والتراخي في موضوع القبض على الفاعلين وتم الاستعانة بخبراء من فرنسا والاتحاد السوفيتي ...
اطلق الناس عليه " ابو طبر "  رغم انه لم يكن يستخدم الطبر في جرائمه .. لم يكن يتورع عن ارتكاب جرائمه ليلاً أو نهاراً، وكان ماهرا بحيث لا يترك أثراً في مسارح الجرائم التي أرتكبها
اسمه (حاتم) من مواليد 1932 دخل مدرسة المفوضين عام 1949 وتخرج منها عام 1951 برتبة مفوض لكنه فصل من الخدمة لأسباب انضباطية . اشتغل بعدها  بوظيفة محاسب في دائرة أوقاف كركوك. ولكنه فصل وحكمت عليه محكمة كركوك بالسجن لمدة سنتين ونصف لتسببه في إحداث أضرار بأموال الدولة. بعد خروجه من السجن سافر إلى أوربا عام 1962 وتنقل ما بين دول اوربا وعمل حيث في التهريب و تم توقيفه عدة مرات خارج العراق بسبب التورط في حوادث الشجار أو انكشاف التهريب وقد حكم عليه في إحدى الدول الأوربية بالحبس لمدة عشرة أشهر عاد بعدها إلى العراق. وقام عام 1970 بتزوير شهادة عدم محكومية لتفادي كشف محكوميته السابقة ....
بدأ جرائمه بقتل شخص يهودي في منطقة البتاويين كان يظنه من الأثرياء لكن تبين انه  لا يملك شيئا ... الجريمة الثانية كانت في منطقة المنصور وهو قتل المرحومة (ماجدة الحمامي) بـ (هيم) حديدي بالاشتراك مع ابن شقيقته وقاما بسرقة قطع من السجاد وضعت  في سيارة المجني عليها، ونقلاها إلى دارهما في أم الطبول ومن ثم قاما بترك السيارة في منطقة العامرية ببغداد .. بعد هذه الجريمة  تم تشكيل لجنة من من اشهر محققي مكاتب مكافحة الاجرام وهم ضباط مكاتب  الكرادة الشرقيةو الأعظمية و الكاظمية والكرخ ومدينة الثورة وغربي بغداد   للتحقيق والكشف عن الجريمتين  
في يوم 4/9/1973  قام ابو طبر بارتكاب جريمته الثالثة  في حي الشرطة (قرب النفق).. حيث قتل في هذه الجريمة البشعة عميد الشرطة المتقاعد بشير احمد وعائلته  المكونه من زوجته.. وابنه(احمد) 12 سنة و ابن شقيق زوجة وكانوا نائمين على سطح الدار.. وايضا باستخدام نفس السلاح " الهيم " ثم نقلا المسروقات بسيارة المجني عليه إلى دارهما ومن ثم قاما بترك السيارة خلف مستشفى اليرموك..
على أثر وقوع الجريمة الثالثة صدر   امر من وزير الداخلية بتخصيص مكافأة قدرها خمسمائة دينار لكل من يدلي بمعلومات حول الموضوع ...
بعدها بايام وفي اواخر شهر ايلول 1973 وفي تحد واضح للسلطة وللاجهزة الامنية  ارتكب ابو طبر  جريمته الرابعة في منطقة ام العظام و على بعد 200 متر عن بوابة القصر الجمهوري حيث تم قتل عائلة السيد جان آرنيست  المكونة من  زوجته  واثنين من بناته وسرقة بعض الأغراض من البيت بسيارة المجني عليها والتي تركها في مدينة الشرطة .. خلال هذه الحادثة  واثناء ضربه احد الضحايا اخطأ وأصاب احد افراد عصابته إصابة جعلته ينزف دماً في الدار. وقد انتبه خبراء الأدلة الجنائية فيما بعد إلى وجود دماء في الدار لا يطابق صنفها مع دم المجني عليهن .
اخر جريمة قتل  كانت قتل حلاق في منطقة النعيرية والكيارة، وسرقة مخشلات ذهبية ونقود وأثاث وسجاد باستخدام  سيارة المجني عليه التي تركها  في منطقة الشعلة،
قام بعدها بدخول دار الدكتور احمد العندليب ولكنه  حين دخل الدار لم يجد أحداً فقام بسرقة الذهب والنقود والأثاث ...
على اثر هذه الحوادث بدأ الرعب يسيطر على الشارع العراقي عموما والبغدادي بشكل خاص  وبدأت الاهالي  بتشكيل فرق شعبية لحماية كما ادخلت الاجهزة الامنية والحزبية في اقصى درجات الانذار، و قامت الحكومة باستدعاء خبراء من الاتحاد السوفيتي  وفرنسا للمساعدة  في اجراءات وتحقيقات الشرطة العراقية .. وشنت الشرطة والاجهزة الامنية حملة شاملة يوم الجمعة  الأول من تشرين الأول 1973 الموافق للثالث من رمضان وتم إعلان منع تجوال شامل في عموم بغداد.. و إغلاق مطار بغداد الدولي في وجه حركة الملاحة الجوية، و تقسيم بغداد الى قطاعات وتم تفتيش جميع الدور في بغداد للبحث عن اشخاص بمثل مواصفات ابو طبر التي اعطاها الخبراء الروس والفرنسيون، ولكن بدون أي نتيجة ...والغريب ان ابو طبر  قد شارك في حملة التفتيش في منطقة البياع والعامل وأم الطبول بإعتباره كان من الرفاق في المنطقة..
وبسبب حالة الارباك والفوضى الذي  اصاب الاجهزة الامنية والتحقيقية وتتابع الحوادث واحدة عقب الاخرى والضغط الشعبي الواسع وحالة الرعب التي اصابت الناس تم القاء القبض على  الكثير من الابرياء تحت طائلة الشبهة والشك، بمن فيهم اشخاص ذوي صلة بالضحايا وتم توجيه الاتهام الى بعض ذوي الضحايا مثلما حدث مع زوج احد الضحايا اضافة الى  اعتقال عدد من شقاوات بغداد المشهورين...
بعد ظهر يوم 30/3/1974 تلقت  سيطرة النجدة اتصالا هاتفياً من احد العوائل مخبرين بوجود لص داخل الدار المجاورة لهم في شارع الصناعة والعائدة للدكتور يوسف بولص بيدروس الجادرجي .حيث تم القاء القبض على (حاتم )  الذي أدعى في البداية أنه ضابط طيار متقاعد، مما اثار شكوك الدورية، فتم تسليمه إلى مكتب مكافحة الإجرام في الكرادة، وعند انتقال هيئة التحقيق إلى دار المتهم عثروا على كثير من المسروقات المطابقة للمواد المسروقة من دور الضحايا منها  سروال من قماش نادر ثمين سرق من دار جان آرنيست.. اضافة الى  راديو مسجل نادر مسروق من دار جان آرنست ايضا  كما عثر على تلفزيون صغير سرق من دار المرحومة ماجدة الحمامي ومعه منشفة حمام كان المجرم قد حملها مع الجهاز. وامام هذه الحقائق لم يكن امامه سوى الاعتراف بجرائمه .. وتم تشكيل لجنة مشتركة من الشرطة والامن تولت التحقيق مع ابو طبر  وجماعته  كما تم اشراك جهاز المخابرات  بسبب شكوك بوجود دور للمخابرات الاجنبية ... ولكن لم يثبت ذلك ..
احيل الجناة الى المحكمة وصدرت الاحكام بحقهم وتنفيذ حكم الاعدام بالمجرم ابو طبر وعصابته...لتنهي فترة من الرعب عاشها البغداديون ..
في عام 2011 انتجت قناة البغدادية مسلسلا ضخما عن هذه الاحداث لاقى نجاحا كبيرا ..
منقول بتصرف عن عدة مصادر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السنك

  تتفق اغلب  المصادر ان (السنك) كلمة تركية معناها (الذباب) وسبب تسميتها هو أن هذه المنطقة كانت  في الأصل (مزرعة بصل) فضلا عن زراعة أنواع الخ...