السبت، 9 مارس 2019

الرحلة الفراتية .. وغرق السفينة دجلة

 قبل حفر قناة السويس كان العلماء يعتقدون ان حفر قناة في السويس سيؤدي الى جفاف البحر الاحمر... لذا فكر البريطانيون في طرق مختصره للوصول الى الهند  بدل الالتفاف حول قارة افريقيا .. عام 1831 قام الكابتن فرانسس راودن جسني برحلة من اعالي الفرات في سوريا الى البصرة مستخدماً الكلك لقطع هذه المسافة الكبيرة. بعد عودته الى بريطانيا وضع خطة لاستكشاف نهري دجلة و الفرات.. وكانت فكرة الكابتن تتلخص في حفر قناة تربط البحر الابيض بنهر الفرات في الاراضي السورية، ثم السفر عبر الفرات الى البصرة ثم الى الهند عبر الخليج لايجاد طريق مختصر للوصول الى الهند و الشرق الاوسط.... وقد اعجب  الملك وليام الرابع بهذه الفكره  و وافق عليها.
وضع تحت تصرف  الكابتن فرانسس راودن جسني سفينتين بخاريتين  تم بنائهما 
في مدينة نيوكاسل البريطانية وتمت تسمية السفينتين  [الفرات ودجلة] وتم  نقل اجزائهما الى  مستودع عند مصب العاصي ....  وحملت اجزاء  السفينتين  على عربات مسافة أكثر من 110 اميال قبل الوصول الى نقطة انطلاقهما عبر الفرات من مدينة البيرا  .. انطلقت السفينتان بعد ربط اجزائها  في 16 آذار عام 1836  بتوديع حافل من قبل الاهالي  وممثلين من الحكومة العثمانية مع اطلاق 21 إطلاقة مدفع من القاربين الفرات ودجلة واتخذ القاربان سبيلهما في الفرات وضمت الرحلة  فريق مؤلف من عشرات المهندسين و العلماء الجيلوجيين و البحارة و العمال و عشرات البغال و الخيل و الحمير..وكان اعضاء الحملة يغادرون القارب في كل المدن والقلاع والخرائب التي مروا بها  لغرض الدراسة والاستطلاع .. كان طول السفينة دجلة حوالي 22 متر في حين كان  طول الفرات حوالي 32 متر و لهذا كانت سفينة دجلة اسرع وكثيرا ما  تتقدم الفرات اثناء الرحلة ....
يوم 21-5-1836وبعد تجاوز الحملة  مدينة القائم  واقترابها من عانة وراوه في الأنبار، تلبدت  السماء بالغيوم و الأمطار الغزيرة .. اضافة الى حدوث زوبعة ترابية من جهة الصحراء صاحبتها عاصفة رعدية ادت الى ارتفاع امواج الفرات  مما ادى الى غرق  السفينة دجلة بمافيها من معدات وبحارة  .. في قرية تسميها المصادر ( عزرا ) ..كان طاقم السفينة دجلة مؤلف حوالي 32 رجل و فيهم علماء و مهندسين، قتل منهم 21 عند غرق السفينة.. ونجا من الحادث احد عشر شخصا  ...وقد عومت الأمواج العالية جثامين 14 بحارا ورمتهم في حقل للذرة حيث عثر عليهم وقد شوهت النسور ملامحهم ثم دفنوا في المكان نفسه.. ولم يتم تحديد  موقع غرق دجلة  بين القائم وعانة لعدم ورود اي ذكر لتلك القرية "عزرا" او مايقارب هذا الاسم ولعلها قريبة من منطقة  "العبيدي" إذ يذكر احد المصادر  أن غرق السفينة دجلة حدث في نقطة في الفرات تبعد 85 ميلا الى الغرب من عانة  وراوة....... كان من الناجين مترجم عراقي موصلي  اسمه كريستيان رسام مُنح الجنسية البريطانية في ما بعد ثم اصبح قنصلاً لبريطانيا في الموصل كما نجا شخص بريطاني يدعى جون بيل الإنكليزي تمكن من النجاة سباحة  وبعد وصوله  الى  البصرة غادر الى  اثيوبيا والتقي امبراطورها  الذي قربه واصبح رئيسا  لوزراء اثيوبيا  ..اما المرأة الوحيدة في الرحلة فهي الكونتيسة نوستيز زوجة  الدكتور هلفر وكانت تصاحب زوجها في جولاته لجمع عينات من النباتات والحشرات ....
 كان قائد الرحلة جاسني قد  أخفى على البحارة امرا من الحكومة البريطانية تلقاه قبل يوم من غرق دجلة يقضي بأيقاف الحملة لرغبته القوية  بمواصلة الرحلة  حيث ابقى الامر  سرا .. واستمرت  السفينة الفرات برحلتها الى هيت فالفلوجة فالحلة فالديوانية ومنها سوق الشيوخ وصولا الى القرنة ومنها الى البصرة التي  وصلتها يوم 18 حزيران 1836 .. قاطعة بذلك اكثر من 1400 ميلا من بيراجيك في رحلة شاقة ومأساوية استغرقت ثلاثة أشهر..
هذه  الحادثة ادت الى ايقاف مشروع فتح القناة بين البحر الابيض الى البصرة عبرالفرات  .. وكان الزمن كفيلا بتغيير الفكرة السائدة حول جفاف البحر واعادة النظر  بمشروع قناة السويس والتي بوشر بحفرها  في نيسان عام 1859 وافتتحت للملاحة في 17 تشرين الثاني 1869  ....
 لوحتان نادرتان احدهما لرحلة استكشاف الفرات 1836 والاخرى تمثل لحظة  ربط وانزال السفينة المنكوبة دجلة  الى النهر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

السنك

  تتفق اغلب  المصادر ان (السنك) كلمة تركية معناها (الذباب) وسبب تسميتها هو أن هذه المنطقة كانت  في الأصل (مزرعة بصل) فضلا عن زراعة أنواع الخ...