السبت، 27 مايو 2017

مأذنة العبد

قبل ان نبدأ الموضوع لا بد ان نشير ان اللوحة المرفقة مع الموضوع هي بريشة الرسام البريطاني  روبرت كلايف  .. رسمها عام 1852 ضمن كتابه لوحات من الخليج الفارسي الى البحر الأسود وهو من مقتنيات الدكتور محمد مكية والتي عرضت للبيع في مزاد سوثبير في لندن مؤخرا  ويضم 24 لوحة ملونة من الحجم الكبير ..
ربما لا يعرف عتها الجميع .. هي المنارة الاولى من منائر مرقد الامام الحسين في كربلاء  واحد ثلاث منارات كانت تنتصب في الصحن الشريف لغاية عام 1935 ميلادية ..بنيت هذه المأذنة عام 767 هـ ..1365 م  في القرن الرابع الهجري ..  من قبل  والي بغداد ايام الدولة الجلائرية .. امين الدين مرجان وهو..  مؤسس جامع مرجان والمدرسة المرجانية وخان مرجان في بغداد حيث حصل نزاع بينه وبين السلطان الجلائري .. اويس الجلائري .. فتمرد مرجان على السلطة انذاك فاصدر السلطان اوامره بتسيير جيش جرار نحو العراق لازاحة الوالي مرجان  واخماد التمرد، ..وجد مرجان نفسه امام خطر عظيم ، فما كان منه الا ان توجه صوب كربلاء المقدسة  والتجأ الى الحرم الحسيني المطهر . حيث ان كربلاء المقدسة في تلك الحقبة كانت تدار من قبل اهلها دون اي تدخل من الدولة او من اي بلد او مملكة، وكان يتم تسيير وادارة شؤونها بالتعاون بين الاسرتين العريقتين وهما آل فائز وآل زحيك العلويتين، كما كانت لهما النقابة والسدانة وشرف خدمة الزائرين.
 عندما حل الوالي اللاجئ .. مرجان في كربلاء المقدسة اقام الصِلات والعلاقات مع علماء الدين الاجلاء والفضلاء ووجهاء المدينة، واول عمل قام به هو بناء مأذنة في الصحن الحسيني الشريف حيث كان الصحن يخلو من اي مأذنة، وكانت تتوسطه فقط  القبة الذهبية لمرقد الامام الحسين عليه السلام ، كما بنى بالقرب من المأذنة جامعاً كبيراً كان يقضي معظم وقته معتكفا في هذا الجامع ويقع جوار مرقد الامام الحسين (ع).، واجرى على المأذنة والجامع  اموالا كبيرة من ريع املاكه في بغداد وعين التمر والرحالية.. هذا الانجاز وتدخل اهالي كربلاء والحكماء كان من شأنه تغيير موقف السلطان الجلائري تجاه مرجان  فأمر باحضاره وتكريمه وابقاه واليا على بغداد،
سميت هذه المأذنة بمأذنة العبد وتقع هذه المأذنة
  في الزاوية الشرقية من الجهة الشمالية للصحن الشريف قريبا مما يسمى حاليا بمنطقة ما بين الحرمين  وكان ارتفاعها يبلغ اربعين مترا، تكسوها النقوش الجميلة التي رسمت بالكاشي الكربلائي يقول المؤرخون  انها كانت مأذنة رائعة .. اعظم وافخم من كل المآذن الموجودة في العتبات المقدسة في العراق، و تعد الثانية بعد (الملوية) في سامراء.
عندما رأى السلطان الجلائري ماناله الوالي من شهرة واسعة ببنائه هذه المأذنة قرر اجراء اصلاحات واسعة في الروضة الحسينية المقدسة، واستمر في بناء وترميم واصلاح الروضة الحسينية المطهرة حتى وافاه الاجل عام 774 هـ فتولى مواصلة بناء الروضة الحسينية ابنه السلطان احمد بن اويس الجلائري. حيث تم في عهده تم بناء المأذنتين الموجودتين حاليا في الحرم الحسيني الشريف وذلك سنة 786 هـ - 1384 م، اي من بعد تسعة عشر عاما على بناء مأذنة العبد.
وبالرغم من بناء المأذنتين، فان مأذنة (العبد) ظلت شامخة وسط الصحن الحسيني الشريف، و اصبحت جزءا لا يتجزأ من تاريخ مدينة كربلاء والموروث الشعبي حيث اصبح الناس يروون عنها القصص والروايات والاساطير، ومنها ان زنجيا قد القى بنفسه من اعلى المأذنة منتحرا، فسميت هذه المأذنة باسمه.. والرواية الشعبية الاخرى ان زنجيا شحّاذا جمع المال من الشحاذة وبنى به المأذنة!.
في عام 1935 وفي زمن حكومة ياسين
  الهاشمي تم استقدام  خبير مصري للتحقق من صلاحية هذه المأذنة، وهذا الخبير المأجور بدوره اصدر تقريرا مزيفا بان المأذنة منحنية وآيلة الى السقوط وبعد تقديم التقرير الى مديرية الاوقاف صدرت الاوامر بازالة المأذنه من قبل حكومة ياسين الهاشمي  الذي لم يكترث بنداءات المعارضة والاستنكار في كربلاء وتم الاستيلاء على موقوفاتها من الاموال  في سابقة خطيرة . وذلك عام 1935 بعد ان مضى على تشييدها نحو ستة قرون من الزمن..



هناك تعليق واحد:

الزواج الاسطوري

  كل فترة تخرج علينا وسائل الاعلام  بالحديث  عن "حفل زواج أسطوري" متناسين ان تاريخنا المجيد  يحدثنا عن عدداً من حفلات الزفاف الأسط...