الاثنين، 16 مارس 2020

الانفلاونزا الاسبانية .. الوباء الذي غير وجه الارض

عندما تشتد الازمات على المثقفين والمتحضرين  ان يقولوا الحقيقة بلا مجاملة ..وعلى مؤسسات  الدولة ان تمارس دورها حتى ولو بالقوة حفاظا على سلامة المجتمع ..ومن هذه الامور غلق ابواب العتبات المقدسة والحسينيات والجوامع  ومنع الزيارات  وكذلك انهاء التجمعات والتظاهرات  لغرض عبور الازمة بسلام .. وان لاياخذ المجتمع  الامور بفوضوية واستخفاف  وسطحية وان يتكاتف الجميع في هذه المرحلة  لنشر الوعي الصحي وتثقيف المجتمع  واخص بالذكر منهم المثقفين حتى لا تتطور الامور الى ما لا يحمد عقباه  وحتى لا تتكرر مأساة الانفلاونزا الاسبانية والتي ابادت 5% من سكان الكوكب  قبل 100 عام ..كنت اتمنى ان لا اتطرق لهذا الموضوع ولكن يبدو ان مجتمعنا بحاجة الى تذكير بما مضى من مأساة   ليعيد النظر في حساباته ..ليعبر الازمة بامان .. وسنعبرها ان شاء الله ...
   في الفترة من كانون الثاني 1918 إلى كانون الاول 1920، تسبب تفشي مرض الإنفلونزا الإسبانية القاتل في إصابة 500 مليون شخص في جميع أنحاء العالم و تشير التقديرات إلى أن ما بين 50 - 100 مليون شخص ماتوا بسبب الفيروساي ما يقارب  5 ٪ من سكان الارض.
على الرغم من تسمية الوباء بالإنفلونزا الأسبانية إلا أنه لم يظهر في أسبانيا لاول مرة ولكن سمي بهذا الاسم بسبب التغطية  الواسعة لوسائل الإعلام الأسبانية كونها لم تكن جزءً من الحرب العالمية ولم تشارك فيها لذا كانت الدولة الوحيدة التي تمتلك اجهزتها الاعلامية الحرية في نقل الاحداث ..
الانفلونزا الأسبانية Spanish flu  إنفلونزا قاتلة انتشرت في أعقاب الحرب العالمية الأولى في أوروبا والعالم وخلفت ملايين القتلى، وتسبب  بهذا المرض  نوع خبيث ومدمر من فيروس الإنفلونزا من نوع H1N1.  تميز بسرعة العدوى وقدرت الإحصائيات  أن حوالي 500 مليون شخص أصيب  بالعدوى توفي منهم ما بين 50 إلى 100 مليون شخصا أي ما يعادل ضعف المتوفيين في الحرب العالمية الأولى كما فاق عدد الضحايا ما حصده الطاعون الأسود في القرن الرابع عشر الميلادي.. وكانت اعلى  معدلات الوفاة في آسيا وأفريقيا، فيما كانت اقل منها  في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا ..والغريب ان اغلب ضحايا هذا الوباء هم من البالغين واليافعين الأصحاء وذلك نتيجة  لرد الفعل الأشد للجهاز المناعي بعكس ما يحصل عادة من أن يستهدف الوباء كبار السن والأطفال والأشخاص المرضى أو ضعيفي المناعة. ووصف هذا الوباء حينها بأنه "المجزرة الصحية الاكبر في التاريخ"
أولى الحالات ظهرت في ولاية كنساس في الولايات المتحدة الامريكية  في مارس من عام 1918 إلا أن احد المؤرخين  نشر وثائق من الأرشيف الحكومي النمساوي تشير إلى أن أوائل حالات الوباء ظهرت في النمسا في ربيع عام 1917...
على عكس أنواع الإنفلونزا الأخرى تميزت الإنفلونزا الأسبانية  بقدرتها على إحداث مضاعفات مميتة ممن أعمارهم أقل من 45 سنة  وتشير الاحصائيات  إلى أن 99٪ من الوفيات كانت في أشخاص أعمارهم أقل من 65 سنة، وأكثر من نصف الوفيات كانت في المجموعة العمرية ما بين 20-40 سنة. حيث  يبدأ المرض  بأعراض الأنفلونزا العادية  ويتطور  إلى صعوبة التنفس، ثم يتحول الوجه إلى لون بني داكن ثم اللون الأزرق، ومن ثم يتحول لون الجسم بأكمله إلى الأسود .. ثم الوفاة. وفي كافة الحالات تقريبا لم يكن سبب الوفاة الرئيسي  الأنفلونزا.. بل السبب الرئيسي للوفاة هو الاختناق نتيجة نزيف رئوي أو التهاب رئوي ثانوي... ويرى البعض أن سبب مناعه كبار السن النسبة ضد الإنفلونزا الأسبانية يعود لتعرضهم للإنفلونزا الروسية عام 1889 مما أكسبهم مناعة جزئية ضد الفيروس.
يرى  بعض العلماء أن سبب المرض  هو  نتيجة لسوء التغذية لدى الجنود وتعرضهم للمواد الكيميائية في الحرب مما اثر على  نظامهم المناعي الضعيف  وحولهم إلى حاضنات نقلت المرض الى مختلف دول العالم  .. كما ساعدت ثكنات الجيش المكتظة بالجنود وتحركات المشاة الهائلة من وتيرة انتشار الوباء وتذكر بعض المصادر ان الوباء كان سبباً في ترجيح كفة قوات الحلفاء وعاملاً في نجاح حملاتهم في المناطق الوسطى وفوزهم في الحرب.
ومن ناحية اجتماعية فان المرض الذي فتك بالأخص بمن هم في متوسط العمر ، قضى على عائل الأسرة الوحيد، وقوض أركان المجتمع مخلفا أعدادا ضخمة من كبار السن والأيتام ممن هم بحاجة للرعاية. و كان الرجال أكثر تضررا من النساء، باستثناء الحوامل منهن .
هذا الوباء الذي غير وجه التاريخ  ادى  إلى تغير استراتيجية الصحة العامة في دول العالم و دفع لتضافر جهود الحكومات المختلفة  إذ بدأت  بلدان عديدة  بانشاء وزارات للصحة أو أعادت هيكلة الموجود لديها، كما أسست لأنظمة أفضل لرصد الأمراض وتعميم المظلة الصحية لتشمل الجميع وتقديم الخدمة الطبية بالمجان...
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مستشفى ابن البيطار .

  كان تشارلس هاوهي  رئيسا للحكومة الايرلندية   في ثمانينيات القرن الماضي  وتمتع بعلاقة شخصية مع السلطات في بغداد ايام  كان وزيرا للصحة حيث ع...