حادثة مؤلمة شهدها قضاء سوق الشيوخ يوم 28/12/ 1962.. كانت ادارة
مدرسة العفة الابتدائية للبنات في قضاء الشطرة بالناصرية قد قررت القيام بسفرة ترفيهية لطالباتها الى بساتين النخيل في ناحية كرمة بني سعيد
التابعة إلى سوق الشيوخ.. يوم الجمعة 28/12/1962 وبعد حصول الموافقات الرسمية من مديرية معارف لواء المنتفك تم الاتفاق مع
احد قدماء السواق لنقلهم بسيارته باص
فآلفو خشبي سويدية الصنع موديل 1959. وحمولتها الرسمية 39 شخص ..
انطلقت الرحلة في الساعة السابعة وعشرة دقائق عبرالطريق الترابي المؤدي الى
الناصرية مرورا بناحيه الغراف. وفي الناصرية شعرت
احدى المعلمات بتوعك حالتها الصحيه فنزلت من الباص قرب المستشفى الجمهوري ..
ورغم برودة الطقس فقد كان الجو جميلا وكان
الفرح واضحا في عيون الطالبات ..وكانت اهازيج الطفولة تصدح ...
(هذا سايقنه الورد ..هسه يوصلنه ويرد)....
(خايب هو.... خلاني وراح وراح.... والكلب مومرتاح .....خايب هو)....
(للكرمه الحكلك .لا تكول انه انساك)....
وصلت رحلة الموت الى قضاء سوق
الشيوخ في الساعه التاسعة وعشرون دقيقة وواصلت
طريقها الى الجسر الخشبي القديم والمسمى جسر البطاط.... كانت هناك
لافتة قبل الجسر تقول (انتظر اشارة العبور ...الجسر يتحمل طن واحد
فقط)... وكانت هناك سيارة في منتصف الجسر
لذا فقد اعطى الجسار " وهو
الشخص المسؤول عن تنظيم المرور على الجسر " اشاره لسائق رحلة الموت بالرجوع الى الخلف والتوقف وانتظار خلو الجسر
.. ولكن دون جدوى ... المديرة من
جانبها اصرت على عدم نزول الطالبات من
السيارة خوفا عليهم من مياه الفرات.. والكارثة الكبرى كانت في حرص فراش المدرسة
على البنات وقيامه بربط ابواب السيارة من
الداخل بالحبال .. وقبل صعودة السيارة الثانية
من المنخفض استمرت سيارة مدرسة العفة
بالدخول الى وسط الجسر وحينما وصلت إلى منتصفه لم تكن السيارة الاخرى قد
عبرت الى الضفة الثانية .. فلم يحتمل الجسر ثقل السيارتين فبدأت حبال الجسر بالتقطع ودخلت المياه الى مقدمة
السيارة ونزلت كجبلا في مياه الفرات وبدأ يبتلعها من الامام وترتفع مؤخرتها في
مشهد يشبه ما حصل للسفينة تايتانك .. وسط صراخ وبكاء بنات في عمر الورد ..
استطاع السائق الخروج سباحة هو ومجموعة من المعلمات وفراشة المدرسة ممن كانوا يجلسون خلف السائق فيما هرع شباب سوق
الشيوخ الابطال لانقاذ ما يمكن انقاذه وسط
مياه الفرات الباردة وسجلوا سطورا ناصعه
لمواقف الانسانيه والاستبسال رغم برودة المياه واجواء الشتاء وقد استطاع
احدهم فك الحبال التي ربطت حول باب الخروج
واستطاعوا انقاذ بعض الناجين و سحب
العديد من الجثث ولكن بعد فوات الاوان فيما كانت سلال الامتعة تطفو مع الخضار
والبيض والفواكه..
بعد ( 27 )دقيقه فقط انتهى كل شئ ... تم استخراج 42 جثة لبنات في عمر الورد
مع عدد من المدرسات و استمرت النداءات في الجوامع والاسواق واستنفرت القائمقاميه
والبلديه ونودي على النجارين حيث لم تكفي توابيت المدينه المتوفره كذلك فتح
القماشون دكاكينهم لتوفير الاكفان فيما سخر اصحاب السيارات الكبيرة والصغيرة
سياراتهم لنقل جثامين شهيدات الفرات الى
الطبابة العدلية في المستشفى الجمهوري في الناصرية.
في الساعة العاشرة والنصف وصل الخبر الى الشطرة . وهرعت الناس المفجوعة الى
الناصرية ..ثم اتجه موكب الجنائز الى مقبرة وادي السلام في النجف الاشرف. يرافقه
قائمقام الشطرة وعدد كبير من وجهائها واستقبلهم في النجف عدد من رجال الدين وبعض القادة العسكريين من ابناء الشطرة ومنهم
قائد الفرقة الاولى المرابطة في الديوانية
و أمر الانضباط العسكري ومجموعه من ابناء الشطرة الذين كانوا في الفرقه الاولى ...
تم بعدها القاء القبض على السائق
وتم ارساله الى سجن البصرة وحكم عليه
بالسجن ولكن كل اهالي تنازلوا عن حقهم في عقوبته.
في اليوم التالي ظهرت الصحافة
العراقية متشحه بالسواد و اقيم مجلس فاتحة
لشهيدات الفرات في الجامع العثماني الكبير حضرته وفود الحكومة و كنائس بغداد وزعيم طائفة الصابئة
المندائيين وممثل عن القادة الكرد ..
كما اقامت معلمات ومربيات مدارس الشطرة مجلس عزاء موحد... و كان من المقرر اقامة اربعينية موحدة تجمع كل العوائل المفجوعة
وكل ابناء المدينة وقد وجهت دعوات الى ادباء وشعراء العراق.ولكن ما جرى يوم 8 شباط وجرح واستشهاد مجموعة من ابناء
الشطره ادى الى الغاء كل شئ..
بعد هذا الحادث قررت مديرية المعارف في الناصرية ايقاف الاحتفالات والسفرات المدرسية في المحافظة واستمر المنع حتى عام 1965 ..
ولازال اهل الشطره حتى اليوم يدفنون موتاهم قرب ما يطلقون عليه قبور
(الغركانات) ..
الرحمة والغفران لشهيدات الفرات... طالبات
ومعلمات مدرسة العفة الابتدائية للبنات.