السبت، 23 مارس 2019

المعرض الزراعي – الصناعي الاول


بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة  عام  قررت الحكومة اقامة معرض زراعي صناعي ببغداد سنة 1932... اقامت المعرض الجمعية الزراعية الملكية برعاية مباشرة من الملك فيصل الاول لبيان النهضة الزراعية والصناعية والعلمية التي يشهدها العراق..وقد ساهم في اقامة المعرض الزراعي الصناعي ممثلوا الوزارات جميعا .. واختير لمكان المعرض الزراعي – الصناعي مساحة واسعة في   منطقة  العيواضية   الحالية ..وهي المساحة الممتدة من شارع الامام الاعظم  والى حدود  كلية الهندسة  القديمة .. وكانت اغلب مساحة المعرض هو عبارة عن حدائق  اطلق عليها لاحقا "حدائق المعرض"   واختير المهندس  البريطاني هارولد كليفورث ميسون والذي صمم ايضا  بناية الكلية الطبية في الباب المعظم عام 1930كما صمم بعدها "قصر الزهور" في الحارثية عام 1933... وصمم العديد من الدور السكنية للنخبة في حيَ الوزيرية الراقي اختير  لتصميم  البناية الرئيسيه  للمعرض
افتتح المعرض الزراعي – الصناعي "الامير عبد الله امير شرق الاردن" نيابة عن الملك فيصل الاول ، الذي كان في زيارة خارج العراق .. وذلك في اليوم الاول من نيسان سنة 1932، واستمر المعرض لغاية 30 نيسان ..
وقد دعي الفنان الكبير محمد عبد الوهاب للحضور الى بغداد واحياء  حفلات فنية في ليالي  المعرض واعد لهذا الغرض مسرح في حدائق المعرض تم تشييده من القصب لكي يقدم عليه الموسيقار محمد عبدالوهاب حفلاته الغنائية،وفي الحفلة الاولى التي اقيمت في اليوم الاول من ايام المعرض، انشد محمد عبدالوهاب قصيدة (ياشراعا وراء دجلة يجري ) التي نظمها الشاعر الكبير احمد شوقي وفي الايام التالية اعادها الفنان مع اغانيه الشهيرة آنذاك مثل (ياجارة الوادي) و(الهوى والشباب) و(انا انطونيو) و(ظبية الوادي) وبعض ادواره الغنائية، ولكن الحقيقة ان الاقبال على حفلات عبدالوهاب كان ضعيفا كما ذكر معاصريها، فالفنان لم يكن معروفا انذاك  بين الاوساط الشعبية ، كما ان اسعار التذاكر كانت باهظة في الوقت الذي كانت ذيول الازمة الاقتصادية العالمية تلقي بضلالها على الوضع الاقتصادي في العراق.. اضافة للحملة الشعبية التي  اثيرت ضد عبدالوهاب والفن المصري بشكل عام والتي قادها الشاعر الشعبي الكبير الملا عبود الكرخي..
وفي نهاية المعرض اختيرت  الساعة  ذات الاربع اوجه والتي صنعها الحاج  عبد الرزاق محسوب في معمله  للمكائن  للفوز بالجائزة الاولى للمعرض   والساعة حاليا تنتصب شامخة على برجها الشهير في جامع  الامام الاعظم بالاعظمية ..
بعد الانتهاء من  المعرض شغلت وزارة الخارجية المبنى الرئيس للمعرض المطل على شارع الامام الاعظم  واصبح مقراً لها  لغاية الستينات، قبل ان تتركه الى مقرها الجديد في كرادة مريم ... ثم شغلته بعد الخارجية مديرية "إسالة ماء بغداد".  ودوائر صحية  وخدمية اخرى. اما حدائق المعرض والتي ظلت لفترة طويلة من اهم متنزهات العاصمة ولكنها عانت الاهمال  لاحقا وازيلت  وبني على ارضها عدد من البنايات الرسمية  منها مكتبة الاوقاف والتي ازيلت لاحقا وحاليا تشغلها عدد من المؤسسات التعليمية العائدة الى وزارة التعليم العالي  ومؤسسو المعاهد الفنية ...

الثلاثاء، 19 مارس 2019

هاملتون .. طريق في شمال العراق


 بداية عام 1928 وصل الى العراق  المهندس  النيوزلندي آرشيامايلن هاملتون وهو في التاسعة والعشرين من عمره  ليلتحق  بوظيفته كمهندس بمديرية الاشغال العامة العراقية واسند له منصب المهندس الاول لمنطقة اشغال الديوانية ..وقام بتنفيذ العديد من المشاريع في الديوانية  قبل ان يتم  تكليفه بالتوجه الى شمال العراق  والعمل على وضع تصاميم وتنفيذ  الطرق التي قررت دائرته دائرة الاشغال العامة العراقية تنفيذها هناك  والتي عرفت فيما بعد بطريق هاملتون... والذي يعد من المآثر الهندسية الرائعة كونه يقطع مضيقي راوندوز وبرسريني
لم يكن الامر سهلا انذاك .. فقد كان عليه شق طريق وسط الوديان والجبال الصخرية والهضاب يمتد من اربيل مرورا بشلال كلي علي بيك و مضيق راوندوز وينتهي عند حاجي عمران على الحدود العراقية - الايرانية ..
ابتدأ العمل عام 1928 .. وكان هاملتون هو الاوربي الوحيد وسط جيش من العمال العراقيين  ولم يكن يملك الا  معدات بسيطة للعمل وكان عليه استطلاع الوديان وقياس اعماقها  ليجد له مثابات  ونقاط عبور سهلة ..كما كان عليه  تدريب وتلقين  العمال فنون شق الطرق واصول نسف الجبال  وتفجيرها  والاشراف على العمل وادرة الشؤون الادارية  واطعام واسكان وصرف اجور العمال ..
وعلى مدى خمس سنوات  وفي ظل صيف حار  وشتاء بعواصف ثلجية  انجز هاملتون العمل  عام 1932 ليكون هذا الطريق اعجوبة هندسية  جبارة ..
 و بعد انجاز هذا المشروع الجبار  ترك هاملتون العراق  وقد دون هاملتون مذكراته هذه  في كتاب  رائع عنوانه "طريق في كردستان" ترجمه الى اللغة العربية الاستاذ جرجيس فتح الله 1973..
في عام 2009 زارت السيدة جانيت هاملتون  ابنة  المهندس هاملتون  وزوجها  قضاء رواندوز لتطلع ولديها   كوردن واليستا على المشروع الاستراتيجي  والانجاز الجبار  لجدهم .. المهندس هاملتون ..
مؤخرا  قامت السلطات في الاقليم  باستبدال الاماكن الخطرة من الطريق بانفاق حديثة . وتم تطويريه ليكون بممرين  وتم تحديثه  وتأثيثه  وفق الاساليب الحديثة ...

الثلاثاء، 12 مارس 2019

نواعير الفرات

نواعير الفرات محطات  اروائية  صديقة للبيئة تعمل  منذ اكثر من 3600 سنة.. ومازالت   في الخدمة  منذ الاف السنين تواصل دورانها  دون  توقف وبلا تكلفة..ولا تحتاج  وقود او طاقة كهربائية ..ولا تحتاج الا الى تبديل خشبة او مسمار .. ،
 تشير الأبحاث التاريخية والآثارية الى أن العراق هو موطن النواعير الأول، ومنه انتقل الى مدن العالم الأخرى التي تعاني مشكلة الري بسبب ارتفاع اراضيها نسبة الى الأنهار
يتكون الناعور من جزئين الأول هو الدالية  وهي  البناء الحجري الذي يقام في الماء على ضفة النهر.. ومهمته الرئيسية هو  حمل الناعورة، والثانية هي الناعورة  وهي  العجلة الخشبية المزودة بأوانٍ فخارية ومهمتها رفع الماء من النهر وايصاله الى البساتين والأراضي الزراعية لأغراض السقي.. ولكن الكثير من الناس  يطلقون على المنظومة باجمعها اسم الناعور  وبذلك تراجع اسم الدالية حتى كاد ينسى.
 وفقا للروايات فان  المنطقة الواقعة بين مدينتي هيت وعنه كانت موطناً لجنّة عدن  وكان  الفرات يومها  أعلى من الأرض المحيطة به و كان الري سيحاً، ولكن انخفاض الماء التدريجي أدى الى مشاكل  إروائية كبيرة  دفعت الاهالي  الى ابتكار أسلوب إروائي يناسب ارتفاع مستوى الأرض عن الفرات، وتمثل الابتكار بالمحطة الحجرية العملاقة (الدالية) ودائرتها الخشبية (الناعورة)..وصممت بطريقة هندسية  لم تتغير منذ الاف السنين
 من مجموع حوالي  1200 كيلومتر يقطعها الفرات  في الأراضي العراقية فإن النواعير محصورة بمسافة قدرها (200 كيلومتر) تقريباً ما بين هيت صعوداً ومدينتي عنه وراوة المتقابلين  وهي التي يطلق عليها  “أعالي الفرات”  بسبب سرعة  وقوة التيارات في هذا الجزء من الفرات  وهو أمر بالغ الأهمية لتدوير عجلة الناعورة الثقيلة وكذلك  بسبب  طوبوغرافية النهر والأراضي المحيطة به في منطقة اعالي الفرات فهذه الرقعة الجغرافية  غير مهددة بالغرق كونها  اعلى و فوق مستوى أعلى ..
يصل عدد النواعير في بعض التجمعات السكانية الزراعية الى عشرة.. ، ويتراوح قطر الناعورة بين 10-12 متراً ويتألف المحيط من عجلتين او طوقين يسمى الخارجي (الظهارة) والداخلي (البطانة) وتتصل بهذا الاطار المزدوج مجموعة عيدان تسمى (الصلبان) كل صليب يمثل نصف القطر،.. ويحتاج الناعور من اجل بناءه الى عدد كبير من اشجار التوت التي تتميز بعدم تأثرها  مع الماء ويختلف  عددها  حسب حجم الناعورة، عند المحور المركزي الوسطي وهو عبارة جذع شجرة يطلق عليها محليا (فحل التوت)  والذي يتميز بانه لا يقطع الا بعد ان تمضي عليه اكثر من (20) سنة كي يكتسب الصلابة المطلوبة والقدرة على تحمل اثقال الناعورة.
وفقا للمتخصصين  فان الارواء بواسطة الناعورة انفع للزراعة من الآلات الحديثة لان مياهه تصل الى المزروعات بصورة هادئة ومتزنة

السبت، 9 مارس 2019

الرحلة الفراتية .. وغرق السفينة دجلة

 قبل حفر قناة السويس كان العلماء يعتقدون ان حفر قناة في السويس سيؤدي الى جفاف البحر الاحمر... لذا فكر البريطانيون في طرق مختصره للوصول الى الهند  بدل الالتفاف حول قارة افريقيا .. عام 1831 قام الكابتن فرانسس راودن جسني برحلة من اعالي الفرات في سوريا الى البصرة مستخدماً الكلك لقطع هذه المسافة الكبيرة. بعد عودته الى بريطانيا وضع خطة لاستكشاف نهري دجلة و الفرات.. وكانت فكرة الكابتن تتلخص في حفر قناة تربط البحر الابيض بنهر الفرات في الاراضي السورية، ثم السفر عبر الفرات الى البصرة ثم الى الهند عبر الخليج لايجاد طريق مختصر للوصول الى الهند و الشرق الاوسط.... وقد اعجب  الملك وليام الرابع بهذه الفكره  و وافق عليها.
وضع تحت تصرف  الكابتن فرانسس راودن جسني سفينتين بخاريتين  تم بنائهما 
في مدينة نيوكاسل البريطانية وتمت تسمية السفينتين  [الفرات ودجلة] وتم  نقل اجزائهما الى  مستودع عند مصب العاصي ....  وحملت اجزاء  السفينتين  على عربات مسافة أكثر من 110 اميال قبل الوصول الى نقطة انطلاقهما عبر الفرات من مدينة البيرا  .. انطلقت السفينتان بعد ربط اجزائها  في 16 آذار عام 1836  بتوديع حافل من قبل الاهالي  وممثلين من الحكومة العثمانية مع اطلاق 21 إطلاقة مدفع من القاربين الفرات ودجلة واتخذ القاربان سبيلهما في الفرات وضمت الرحلة  فريق مؤلف من عشرات المهندسين و العلماء الجيلوجيين و البحارة و العمال و عشرات البغال و الخيل و الحمير..وكان اعضاء الحملة يغادرون القارب في كل المدن والقلاع والخرائب التي مروا بها  لغرض الدراسة والاستطلاع .. كان طول السفينة دجلة حوالي 22 متر في حين كان  طول الفرات حوالي 32 متر و لهذا كانت سفينة دجلة اسرع وكثيرا ما  تتقدم الفرات اثناء الرحلة ....
يوم 21-5-1836وبعد تجاوز الحملة  مدينة القائم  واقترابها من عانة وراوه في الأنبار، تلبدت  السماء بالغيوم و الأمطار الغزيرة .. اضافة الى حدوث زوبعة ترابية من جهة الصحراء صاحبتها عاصفة رعدية ادت الى ارتفاع امواج الفرات  مما ادى الى غرق  السفينة دجلة بمافيها من معدات وبحارة  .. في قرية تسميها المصادر ( عزرا ) ..كان طاقم السفينة دجلة مؤلف حوالي 32 رجل و فيهم علماء و مهندسين، قتل منهم 21 عند غرق السفينة.. ونجا من الحادث احد عشر شخصا  ...وقد عومت الأمواج العالية جثامين 14 بحارا ورمتهم في حقل للذرة حيث عثر عليهم وقد شوهت النسور ملامحهم ثم دفنوا في المكان نفسه.. ولم يتم تحديد  موقع غرق دجلة  بين القائم وعانة لعدم ورود اي ذكر لتلك القرية "عزرا" او مايقارب هذا الاسم ولعلها قريبة من منطقة  "العبيدي" إذ يذكر احد المصادر  أن غرق السفينة دجلة حدث في نقطة في الفرات تبعد 85 ميلا الى الغرب من عانة  وراوة....... كان من الناجين مترجم عراقي موصلي  اسمه كريستيان رسام مُنح الجنسية البريطانية في ما بعد ثم اصبح قنصلاً لبريطانيا في الموصل كما نجا شخص بريطاني يدعى جون بيل الإنكليزي تمكن من النجاة سباحة  وبعد وصوله  الى  البصرة غادر الى  اثيوبيا والتقي امبراطورها  الذي قربه واصبح رئيسا  لوزراء اثيوبيا  ..اما المرأة الوحيدة في الرحلة فهي الكونتيسة نوستيز زوجة  الدكتور هلفر وكانت تصاحب زوجها في جولاته لجمع عينات من النباتات والحشرات ....
 كان قائد الرحلة جاسني قد  أخفى على البحارة امرا من الحكومة البريطانية تلقاه قبل يوم من غرق دجلة يقضي بأيقاف الحملة لرغبته القوية  بمواصلة الرحلة  حيث ابقى الامر  سرا .. واستمرت  السفينة الفرات برحلتها الى هيت فالفلوجة فالحلة فالديوانية ومنها سوق الشيوخ وصولا الى القرنة ومنها الى البصرة التي  وصلتها يوم 18 حزيران 1836 .. قاطعة بذلك اكثر من 1400 ميلا من بيراجيك في رحلة شاقة ومأساوية استغرقت ثلاثة أشهر..
هذه  الحادثة ادت الى ايقاف مشروع فتح القناة بين البحر الابيض الى البصرة عبرالفرات  .. وكان الزمن كفيلا بتغيير الفكرة السائدة حول جفاف البحر واعادة النظر  بمشروع قناة السويس والتي بوشر بحفرها  في نيسان عام 1859 وافتتحت للملاحة في 17 تشرين الثاني 1869  ....
 لوحتان نادرتان احدهما لرحلة استكشاف الفرات 1836 والاخرى تمثل لحظة  ربط وانزال السفينة المنكوبة دجلة  الى النهر

مستشفى ابن البيطار .

  كان تشارلس هاوهي  رئيسا للحكومة الايرلندية   في ثمانينيات القرن الماضي  وتمتع بعلاقة شخصية مع السلطات في بغداد ايام  كان وزيرا للصحة حيث ع...