بعد معركة الاسماعيلة بين الشرطة والقوات البريطانية التي
ادت مقتل 40 من افراد الشرطة المصرية خرجت
مظاهرة حاشدة في الثانية من صباح ذلك بعد تمرد عمال مطار ألماظة ( القاهرة )
ورفضهم تزويد الطائرات البريطانية بالوقود
اضافة الى افراد من الشرطة المصرية وعدد
من الاهالي ممن لاموا وزير الداخلية، فؤاد
سراج الدين لاصداره الاوامر بمقاومة
البريطانيين في معركة غير متكافئه .وزحف المتظاهرون تجاه الجامعة و انجرف معهم
الطلبة ، و اتجهوا إلي مبني رئيس الوزراء مطالبين بقطع العلاقات الدبلوماسية مع
بريطانيا و ثم توجهوا عبر شارع فؤاد الى قصر عابدين في مظاهرات
سلمية بعد انانضم إليهم طلبة الأزهر ..
فجأة ودون مقدمات تحولت المظاهرات السلمية إلى فوضى وعمليات حرق
وتدمير منظم اطلق عليه المؤرخون اسم حريق القاهرة
.. اضطرت الشرطة الى الانسحاب امام فوضى الحرائق وعمليات التخريب .. حيث بدأت
الشرارة الأولي للحريق من ميدان الأوبرا باشعال النيران في كازينو أوبرا ( بديعة )
، و انتشرت النيران لتدمر ما يزيد عن
700 محل وبناية منها 13
فندقًا كبيرًا اهمها فندق شبرد ومتروبوليتان
وفيكتوريا و40 دار سينما منها ريفولي وراديو ومترو وديانا وميامي وعدد من المحلات ومعارض السيارات و10 متاجر للسلاح و73 مقهى
ومطعم وصالة و92 حانة و16 ناديًا .. وعدد من البنوك و المتاجر و مكاتب الشركات.. وهذه
البنايات لم يكن من السهولة إشعال النيران
فيها ولكن استُعملت صفائح من المواد
القابلة للالتهاب وخِرَق مشتعلة ومضخات لرش البنزين على المبانى.. وفى
بضع دقائق تبخرت ثروات المدينة، وتحولت إلى دخان أسود وركام . وشلت كل مراكز
التجارة بها.
امتدت النيران لتشمل أحياء
الفجالة و الظاهر و القلعة و ميدان التحرير و ميدان محطة مصر ، وسادت الفوضي و
أعمال السلب و النهب ولم تستطع فرق
الاطفاء السيطرة على الحرائق مما اضطر وزير الداخلية للاستعانة بقوات الجيش ولكن الاغرب ان وزير الحربية تلكأ في التدخل رغبة منه في إحراج الحكومة وترك الموقف يتفاقم أكثر ليخرج من سيطرتها ...
بعد نزول فرق الجيش إلي
الشوارع قبيل الغروب ، عاد الهدوء إلي العاصمة واختفت عصابات السلب و النهب و اجتمع
مجلس الوزراء وقرر مواجهة الموقف بإعلان الأحكام العرفية في جميع أنحاء البلاد
ووقف الدراسة في المدارس والجامعات إلى أجل غير مسمى ، و تعيين حاكمً عسكريً عامً ..
يختلف المؤرخون عمن يكون
وراء حريق القاهرة في ذلك اليوم و الحقيقة أن كل طرف حاول أن يستغله لاتهام الأطراف الأخري و لكن لم تظهر حتي الآن
أدلة مادية تدين أي طرف لذلك سيبقي حريق القاهرة لغزاً ينتظر الحل ولكن دائرة
الاتهام كانت محصورة بين الإخوان المسلمين والاشتراكيون واليساريون ولكن الكاتب محمد حسنين
هيكل يقول ان الحريق ابتدأ عفويا ثم دخل الجزء المنظم.. ويصفه ب عود كبريت قرّب
من الركام ...والدنيا ولعت .
وفق الاحصائات الرسمية فقد
أسفر الحريق عن مقتل 26 شخصًا ، وبلغ عدد المصابين بالحروق والكسور 552 شخصًا ،
كما أدى إلى تشريد عدة آلاف من العاملين في المنشآت التي احترقت وبلغت الخسائر
المادية ما بين 40 و70 مليون جنيه بعد أن تحولت المظاهرات السلمية إلى فوضى
وتخريب، ويعتبر حريق القاهرة هو الشرارة التي تسببت في إسراع الضباط الأحرار في
القيام بالثورة بعد أقل من ستة شهور